في ملف يتوقع أن يثير لغطاً واسعاً، تكشف آخر أرقام اللجنة المختصة في مجلس النواب العراقي، واستناداً الى أرقام وزارة المالية، أن حكومة نوري المالكي باعت خلال أول ثمانية أشهر نفطاً بقيمة تقارب 55 مليار دولار، وأنفقت بالضبط هذا المبلغ نفسه، أي أنها سلّمت حكومة حيدر العبادي خزانة فارغة.
وليس هذا هو الجزء الأكثر إثارة في الحكاية، بل إن ما تعنيه الأرقام هو أن رئيس الوزراء السابق قام بـ»مصادرة» مال وفير يعود إلى كردستان والبصرة، حيث لم يتسلّم الأكراد حصتهم من الموازنة (نحو 7 مليارات دولار لسبعة أشهر)، كما لم تتسلّم البصرة نحو 3 مليارات دولار، هي حصتها مما يعرف بمخصصات «البترودولار»، والتي تقضي - وفق قانون صدر العام الماضي - بمنح المحافظات المنتجة للنفط دولاراً عن كل برميل يصدّر منها.وهكذا وجد حزب الدعوة نفسه «مغضوباً عليه»، لا من الأكراد فقط، بل من الفعاليات السياسية والاقتصادية في البصرة، الميناء العراقي الوحيد ومركز صناعة النفط، الذي لم يحقق ازدهاراً يذكر طوال 11 عاماً بعد سقوط النظام السابق، بينما يقدّر الخبراء أن البصرة باعت بنحو 600 مليار دولار من البترول في هذه الفترة، ولاتزال شوارعها غارقة في الوحل والأقذار، ومحاطة بأحياء سكنية عشوائية بائسة يقطنها نحو مليون مواطن.«الغضب البصري» تفجّر خلال زيارة قام بها عادل عبدالمهدي، السياسي البارز من المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، ووزير النفط في حكومة العبادي. وكانت زيارة ذات معنى كبير، فالوزير الجديد معروف بدعمه للإدارة اللامركزية التي تمنح البصريين استقلالية كبيرة يطالبون بها، وهو كذلك من نفس حزب محافظها، ماجد النصراوي، الذي انتزع البصرة عام 2013 من حزب المالكي، وظل مشلولاً عاجزاً عن فعل شيء للمدينة بسبب الأزمات السياسية مع رئيس الحكومة، وأيضا لأن وزير النفط السابق حسين الشهرستاني، من أشد أنصار النهج المركزي في الإدارة، وقد بالغ في تجاهل البصريين طوال سنوات شهدت إبرام أضخم صفقات الاستثمار النفطي في تاريخ العراق، حيث لم يمنحهم أي دور - ولو رمزي - في التفاوض أو في صناعة القرار.ويقول البصريون إن هناك فرصة مع الوزير الجديد عبدالمهدي، ولذلك استقبلوه باحتجاجات لا تنتهي، ليس على اختفاء متعمّد لأموالهم وحسب، بل لأن الحكومة السابقة، وفي آخر شهر من عمرها، أجرت تعديلاً ملحوظاً للتعاقدات مع عملاق النفط البريطاني «بريتيش بتروليوم»، دونما إخطار للبرلمان المحلي في البصرة، الذي استشاط غضباً وراح يقول لعبدالمهدي إنه يريد مراجعة كل التعاقدات مع الشركات الكبيرة العاملة في حقول المحافظة الجنوبية.ويقول المطلعون هناك إن البصرة تتغير سياسياً ببطء، وتتأثر كثيراً أو قليلاً بإقليم كردستان الذي يطالب باستقلالية واضحة في وضع سياسات النفط الخاصة به، وعلى الأقل فإن البصريين يريدون شراكة في صناعة قرارات النفط تمنحهم نفوذاً سياسياً، وقد ظهروا في محادثاتهم مع الوزير الجديد كطرف يمتلك مطالب واضحة وأيضاً دستورية، فقد تحدثوا عن شركة تسويق النفط الوطنية «سومو» ومجلس إدارتها الذي لا يوجد فيه أي ممثل عن الحكومة المحلية المنتخبة، بينما ينص الدستور على أن عمليات التصدير لابد أن تكون كذلك بالتنسيق مع المحافظات المنتجة، ما دفع البصرة وكردستان معاً، إلى المطالبة بإعادة تشكيل مجلس إدارة الشركة هذه، لتشترك الأطراف مع المركز في وضع ضوابط تسعير الصادرات وتحديد سقفها، ووضع مشاريع التطوير.وليس في يد الوزير أن يغيّر الأوضاع بسرعة، لكنه كسياسي بغدادي سمع كلاماً نادراً في أقصى الجنوب، يمثّل اليوم - بوضوح - نزعة لا مركزية في أهم محافظات العراق، ستترك أثرها في مستقبل نظام الإدارة والسياسة، حتى لو ارتهن كل ذلك بالانقسامات الطائفية وأوزار الحروب.
آخر الأخبار
أموال البصرة اختفت... وأهلها يريدون دوراً في سياسات النفط
10-10-2014