عاصفة الحزم برأيي المتواضع أداة من أدوات التفاوض السياسي مع أطراف استهانت بقوة دول الخليج العربية، وآثرت سياسة فرض الأمر الواقع على القرار اليمني من ناحية، وتهديد أمن السعودية واستقرارها من ناحية أخرى، وقد تؤتي ثمارها قريباً، ولكن من المهم التأكيد على أهمية الحل السياسي والتصالح الداخلي في اليمن حتى لا تنفجر الأوضاع فيه مجدداً.

Ad

ما كان ممنوعاً ومجرّماً خلال الأسبوعين الماضيين لأي رأي لا يؤيد بشدة حرب عاصفة الحزم في اليمن، سيجد في تقديري ابتداءً من اليوم، أي بعد مرور أسبوعين منذ بداية العمليات العسكرية، منفذاً نحو التحرك بحرية أكبر مما مضى، وهو رأي أو آراء ليست بالضرورة ضد الحرب، لكنها تتناول زوايا غير منظورة وتحذيرات من عواقب لم تكن بالحسبان.

أول هذه الآراء وأسخنها هو خيار التدخل البري في الأراضي اليمنية لحسم المعركة على الأرض والتعجيل بعودة الحياة الطبيعية، لقد تمت مناقشة مخاطر هذا الخيار استنادا إلى التاريخ وإلى الجغرافيا المتجمدة في مكانها منذ آلاف السنين، ولكن بقي رأي مخفيٌّ وهو احتمال تحول موقف اليمنيين وتعاملهم مع قوات التحالف على أنها قوات احتلال حتى لو كانت بدعوة صريحة من الرئيس الشرعي عبد ربه هادي منصور، هذا الرأي مخيف وربما متداول في مراكز اتخاذ القرار العسكري، ولكن القرار السياسي قد يقود العملية لفخ من الممكن تجنبه بتسليح القوات الموالية للشرعية وقلب مواقف القوات النظامية كي يقوموا بتحقيق الهدف على يد أهل البلد.

الرأي الثاني الذي يحتاج للضخ الإعلامي بشكل أكبر هو الوضع الإنساني الناجم عن الحرب، وهنا تجدر الإشارة الى أن الحوثيين لن يجدوا أيسر من تحميل قوات التحالف جميع أوزار تردي الأحوال المعيشية الموجودة أصلاً منذ أيام الرئيس المخلوع صالح، وردها إلى عاصفة الحزم، وقد بدأت الأخبار المحزنة تتوالى من عدن التي يفترض أنها الأكثر أمانا وتأمينا، وقد تتمدد لتصل إلى مناطق أخرى لنشهد حالات نزوح جماعي وبداية أزمة لاجئين سيحتاجون بالضرورة للطعام والشراب والسكن والرعاية الصحية، ومثل هذه الأوضاع لن تكون في مصلحة عاصفة الحزم، ولا بد من خطة عاجلة لجمعيات الهلال الأحمر كي تكون على أهبة الاستعداد لواقع ثقيل قد يفرض نفسه قريبا.

الرأي الثالث يتمركز حول الحرب الإعلامية المحسومة سلفاً على الصعيد العربي لمصلحة قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، وفيه عدة أسئلة متشابكة مثل: هل الخطاب الإعلامي موجه للرأي العام المحلي في الدول الأعضاء؟ أم موجه لليمنيين الذين أشك أن الكثير منهم لا تصل الكهرباء إلى مسكنهم؟ وهو ما يعني أن الراديو هو المصدر الأول للأخبار في اليمن، وفي ذلك المضمار لا أعتقد بوجود منافس لراديو الـ"بي بي سي"، الذي يستضيف الرأي الحوثي كما يستضيف نجوم قنوات الأخبار الخليجية، فهل حسبنا حساب أننا نخاطب شريحة مهمة على الأرض اليمنية لا تسمعنا ولا تشاهدنا؟

في الختام إن عاصفة الحزم برأيي المتواضع أداة من أدوات التفاوض السياسي مع أطراف استهانت بقوة دول الخليج العربية، وآثرت سياسة فرض الأمر الواقع على القرار اليمني من ناحية، وتهديد أمن واستقرار السعودية من ناحية أخرى، وقد تؤتي ثمارها قريباً، ولكن من المهم التأكيد على أهمية الحل السياسي والتصالح الداخلي في اليمن حتى لا تنفجر الأوضاع فيه مجدداً، كما يجب بعد نهاية عاصفة الحزم وعودة الشرعية ضم اليمن لعضوية مجلس التعاون الخليجي كشريك أساسي وحصن لجنوب الجزيرة العربية من الطامعين.