في ذكراه الـ41... طه حسين البصيرة الحاضرة

نشر في 03-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 03-11-2014 | 00:02
No Image Caption
مثقفون مصريون: ما أحوجنا إلى أفكاره في مواجهة التعصب

احتفلت الأوساط الثقافية المصرية على مدى الأيام الماضية بالذكرى 41 لرحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، فشهدت كثيراً من الفعاليات الأدبية والفنية أقامتها وزارة الثقافة المصرية وعدد من دور النشر الخاصة، فتناولت إسهاماته الفكرية والإبداعية ودوره التنويري في مواجهة قوى التخلف والرجعية والاستبداد.
تأتي ذكرى رحيل طه حسين هذا العام وسط غيوم الأفكار المتطرفة التي رانت على أفق المشهد الثقافي المصري، والتجاذبات الحادة تجاه التصدي لظاهرة الإرهاب، وتصاعد العنف وكيفية المواجهة بالفكر أم بالعنف المضاد. ويبرز هنا دور حسين التنويري ومطالباته الدائمة بضرورة نشر الوعي والاهتمام بالتعليم كطريق للقضاء على الغلو والأفكار المتشددة، ما دعا المثقفين إلى أن يرددوا: «ما أحوجنا إلى طه حسين هذه الأيام».

نظمت وزارة الثقافة في مصر، ممثلة بقطاع الفنون التشكيلية، أمسية أدبية وفنية حرص فيها القطاع على مخاطبة النشء والشباب للتعريف بدور طه حسين وضرورة استلهام أفكاره للتقدم والبناء. وشهدت ندوة بعنوان «مستقبل التعليم في ذكرى رحيل طه حسين» تحدث فيها كل من الدكتور عماد أبو غازي والدكتور كمال غيث والدكتور وجدي زيد، وأدارها مدير المركز محمد نوار. كذلك شهدت الأمسية حفلة توزيع جوائز المسابقة السنوية للشباب الخامس عشر في مجالات القصة القصيرة والشعر والدراسات النقدية.

وافتتح متحف طه حسين أبوابه للزائرين ونظم بالتعاون مع المركز القومي لثقافة الطفل برنامجاً بدأ بجولة في المتحف، ثم ورشة حكي «سر البطولة»، وعرض لاحقاً الفيلم التسجيلي «عيون تتحدى الظلام»، إضافة إلى ورشة فنون تشكيلية وندوة عن طه حسين وورشة رسم. واختتمت الاحتفالية يوم 30 أكتوبر بعروض فنية ترفيهية للأطفال (الساحر، الأراجوز)وعرض فني عن طه حسين. وقال مدير المتحف الدكتور محمد عبد الغني إن البرنامج مُعد بهدف تفعيل دور المتحف في إثراء شخصية الشباب وتعريفه بأهم رموز بلده في المجالات كافة، وتنمية اهتماماته الثقافية والفنية.

وأصدرت دار «الهلال» كتاب «طه حسين... لغو الصيف وجد الشتاء» للدكتور محمود الضبع، والكتاب يمثل قراءة ثقافية لأفكار عميد الأدب العربي طه حسين، في مجموعة من مقالات نشرها الدكتور في مجلة «الرسالة» بعنوان «لغو الصيف وجد الشتاء». كذلك يتضمن الكتاب دراسة تبدأ بسؤال عن الحداثة وما بعد الحداثة، تلك الكلمات التي يرددها المثقف العربي ولكنه هل تعامل معها حقاً واستخدمها حقيقة في بحثه؟ ويخلص الدكتور «الضبع» إلى أن طه حسين يعتبر حداثياً حقيقياً، لأنه كان يدرك العلاقة بين الحاضر الراهن وبين «التراث»، وأن العلاقة بينهما لم تكن قائمة على القطيعة كما يذهب كثير من نقاد ومثقفي هذا العصر.

ويستخلص «الضبع» الأفكار الثقافية التي طرحها طه حسين والتي مثلت قضايا دارت حولها ومن بينها: الصراع بين القديم والجديد، أزمة النقد، الحرية والمجتمع، الإعلام والنشر، المبعوثون الدوليون، مناقشة الحالة الأدبية في مصر وعلاقة السياسة بالأدب، الفصحى والعامية وصراع الأنواع الأدبية الجديدة، الأدب التمثيلي، ونقد الوضع الاجتماعي والثقافي لمصر.

التنوير في مواجهة الاستبداد

ما حاربه طه حسين بكل عنفوان عاد، بصيغ متباينة، ليستبدّ في الحياة الثقافية والحياة العامة وفي الجامعة، هذا ما كتبه الشاعر المغربي محمد بنيس في الذكرى الفائته لرحيل عميد الأدب العربي، وقال إن الجامعة كانت رهاناً لتصبح مركز التنوير والتفتح والحوار، والحياة الثقافية حلمَ أن تكون أرضاً حرة، لها شرعية الوجود والتقاسم، بالتساوي، بين الفاعلين الثقافيين، والحياة العامة طموح نضال سياسي لأجل أن تكون ساحة مفتوحة على الذات والآخر، على الوحدة والتعدد، على التضامن والاختلاف، ذلك كله أصبح في خبر كان بعد غربة ثورات الربيع العربي، وهو الأمر الذي يؤكد قول المثقفين: «ما أحوجنا إلى طه حسين»، وأنه سيظل، حسب وصف الكاتب والناقد أحمد إبراهيم الشريف في مقال له في صحيفة «اليوم السابع» المصرية، إيقونة الثقافة العربية، حيث أشار إلى أن حسين لم يكن ممن يرتضون الحياة الهينة اليسيرة اعتماداً على «عاهة» لديه، فقد كان يملك طاقة جبارة وإيماناً في النفس قوياً، فمن ميزاته صراعه وأفكاره المتميزة التي ترفع من قيمة العقل، حيث دعا إلى وجوب النهضة الفكرية والأدبية وضرورة التجديد والتغيير والاطلاع على ثقافات جديدة مما أدخله في معارك شديدة مع محبي الأفكار التقليدية، وكان مستعداً لهذه المعارك متسلحاً بالعلم والمعرفة والحقيقة.

من جهة أخرى، طالب مثقفون بتخصيص جائزة سنوية باسم طه حسين، تليق بتجربته الأدبية العظيمة. وقال الناقد الأدبي الدكتور عبد المنعم تليمة إنه يسعد بإطلاق جائزة كبرى باسم رائد النهضة العربية الحديثة طه حسين، مطالباً مؤسسات الدولة بتحقيق هذا الهدف.  

وأكد الأديب سعيد الكفراوي أن طه حسين سيظل في الضمير العربي فكراً متجدداً صالحاً لأزمان كثيرة، فهو ليس بشخص قهر الظلام ولكنه أساس فكري انتقل بمصر من الجمود إلى التحرر، ومن المدهش أن كثيراً من المفكرين يغيبهم النسيان إلا طه حسين المتجدد دائماً حامل الأسئلة والإجابات. وأشار إلى أن عميد الأدب العربي انتقد التراث لصالح المستقبل، ومن هنا قال جملته «التعليم كالماء والهواء» التي سكنت الضمير العربي، ووضع برنامجه الثقافي في كتابته في الثقافة المصرية ووضع علامات التمدين والنهضة. وأضاف الكفراوي أن حسين وبعض أفراد جيله علامات الاستنارة في النهضة المصرية قبل الطغيان والفساد سيظلون ذخيرة حية وعلامة مميزة على أن مصر قادرة على صناعة مصيرها.

حامل مشعل التنوير والانفتاح على الثقافات الأخرى

ولد طه حسين عام 1889، وفي هذه السنة ولد أيضاً كل من عباس محمود العقاد، ابراهيم المازني، عبد الرحمن الرافعي، مكرم عبيد، ونجيب الريحاني، ممن مثلوا جيلاً عظيماً عمل على نهضة مصر في مجالات كثيرة. وشغل حسين مناصب عدة، من بينها عمله أستاذاً للتاريخ اليوناني والروماني، وذلك في عام 1919 في الجامعة المصرية بعد عودته من فرنسا، ثم أستاذاً لتاريخ الأدب العربي في كلية الآداب وتدرج فيها في عدد من المناصب. وفي عام 1942، أصبح مستشاراً لوزير المعارف ثم مديراً لجامعة الإسكندرية. حتى أحيل إلى التقاعد في 16 أكتوبر 1944. وفي عام 1950 أصبح وزيراً للمعارف، وقاد دعوة لأجل مجانية التعليم وقال «إن العلم كالماء والهواء حق لكل إنسان»، وهو ما كان بالفعل فقد تحققت مجانية التعليم على يديه وراح يستفيد منها أبناء الشعب المصري جميعاً. كذلك حوّل كتاتيب عدة إلى مدارس ابتدائية، وكان له الفضل في تأسيس عدد من الجامعات المصرية، وتحويل عدد من المدارس العليا إلى كليات جامعية مثل المدرسة العليا للطب والزراعة، وغيرها. من جانب آخر، أثرى طه حسين المكتبة العربية بكثير من الأعمال والمؤلفات، وكانت هذه الأعمال الفكرية تحتضن كثيراً من الأفكار التي تدعو إلى النهضة الفكرية والتنوير والانفتاح على ثقافات جديدة. ذلك كله، بالإضافة إلى تقديمه عدداً من الروايات، والقصة القصيرة، والشعر. ومن أعماله المتميزة «الأيام، دعاء الكروان، حديث الأربعاء، الفتنة الكبرى»، وغيرها.

back to top