حصلت اليونان مؤخراً على بعض التنازلات الأوروبية المتعلقة بالفائض الأولي المطلوب تحقيقه، مع بعض التغييرات التجميلية، ولكن لايزال عليها وضع جدول زمني للإصلاحات، حيث تتلاقى في هذا الصدد أهدافها مع الاتحاد الأوروبي.

Ad

قام أليكسيس تسيبراس بحملته الانتخابية بوعد يمكن أن يفضي إلى إنهاء خضوع اليونان للشروط المالية والسياسية المهينة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على بلاده مع إبقاء أثينا في منطقة اليورو، كان الشعب اليوناني يريد نهاية لخطط التقشف مع الحفاظ على اليورو، وهي رغبة تبدو متعارضة، ولكن كان بوسع اليونان الحصول على الأمرين معاً، وهذا ما ألمح إليه زعيم حزب "سيريزا" بقوله إن الشعب اليوناني إذا صوت لحكومة جريئة مستعدة للذهاب إلى بروكسل وطرح اللعبة بشكل حازم، فإن خروج اليونان من منطقة اليورو سيمثل كارثة ضخمة قد تدفع الاتحاد الأوروبي إلى التراجع والإذعان، وقد توجهت أثينا إلى بروكسل وضغطت، ولكنها في نهاية المطاف هي التي أذعنت.

ويبدو أن الشعب اليوناني يميل إلى أن ينسب الى سيريزا فضل محاولة تغيير شروط ما ليس يدعى الآن بعملية إنقاذ.

لقد حصلت اليونان على بعض التنازلات، وخاصة في ما يتعلق بالفائض الأولي المطلوب تحقيقه، مع بعض التغييرات التجميلية، ولكن لا يزال على اليونان وضع جدول زمني للاصلاحات، وتتلاقى في هذا الصدد أهداف اليونان والاتحاد الأوروبي، فقد تعهد سيريزا بمحاربة التهرب من الضرائب وإعادة ترتيب الخدمة المدنية وتنسيق الأنظمة التجارية الى آخر ما هنالك.

ولكن المانيا تسعى وراء التفاصيل وليس مجرد كلمات بلاغية، وليس من البعيد عن الامكانيات أن يعمد الاتحاد الأوروبي تحت ضغط ألمانيا وغيرها من دول الشمال إلى اعادة أي برنامج تطرحه أثينا بغية اضافة مواد اخرى اليه إذا شعر الاتحاد بأن ثمة ضرورة لذلك، وسوف يحسن الاتحاد الأوروبي صنعاً إذا قرر مقاومة ذلك الإغراء أو تمويه وإخفاء تلك العملية بطريقة ما في حال قيامه بها.

وفي الوقت الراهن على الأقل يبدو أن الشعب اليوناني يريد أن ينسب الى سيريزا فضل محاولته تغيير شروط عملية الانقاذ بحيث تنطوي بالنسبة الى حكومة أثينا على قدر من المرونة الإضافية في الانفاق الداخلي.

ويدعي السيد تسيبراس تحقيق نصر ولكن الشعب اليوناني يعلم أن ذلك لم يتحقق وأن ثمة جوانب سلبية ضخمة ضد أثينا كما أن الجهد – على الرغم من شدته – يجب أن يتم عن طريق الحكومة التي وعدت بالقيام به.

ويوجد شعور بالفخار الوطني لأن اليونان تمكنت من إبعاد خطر سياسة التقشف في أوروبا بصورة أكثر حدة مما كان الحال عليه من قبل، ويشعر الشعب اليوناني أيضاً بالغوث أيضاً لأن البنوك اليونانية تمكنت من تفادي الانهيار الجماعي الذي كان سوف يحدث لو لم يتحقق الاتفاق المشار إليه. وهكذا ومع احتمال حدوث بعض الانشقاق ضمن صفوف سيريزا – وقد اعتذر بطل اليسار مانوليس غليزوس من الشعب اليوناني لأنه ساهم في خلق ذلك الوهم – فإن ثمة فرصة في أن يتماسك الحزب، وأن يستمر في التمتع بشعبية نسبية في البلاد، وخاصة إذا تمكن من تحقيق قدر من الانفاق الاجتماعي.

ولكننا سوف نعود الى المربع الأول، حيث كنا في مطلع يونيو الماضي عندما حان موعد تمديد القروض وقيام مأزق آخر يهدد الوضع في اليونان، وعلى أي حال تظل مسألة خروج اليونان من منطقة اليورو امكانية مطروحة بقوة، وصحيح أن تلك سوف تشكل كارثة أقل حجماً من الوجهة الفنية الاقتصادية بالنسبة الى منطقة اليورو بصورة عامة مما كان الحال عليه في الماضي، ولكن ديون اليونان ترجع إلى حد كبير الآن إلى البنك المركزي الأوروبي وثمة خطر من حدوث "عدوى" مباشرة تصيب دول الجنوب في حال خروج اليونان من منطقة اليورو.

وقد تنطوي التأثيرات على اليونان ذاتها على شكل سابقة سيئة من الفوضى بالنسبة الى اليورو، كما أن مثل تلك التأثيرات تنطوي على أهمية تاريخية وروحية بالنسبة الى أوروبا، وسوف تبدو الصورة أشبه بالتخلي عن دولة في القارة ومثل إدارة سيئة، كما أن أفضل حصيلة لها سوف تكون شروع حكومة سيريزا في اصلاحات تحتاج اليونان اليها في كل الظروف، وهي الاصلاحات التي نأت عنها الحكومات السابقة ثم حصلت على تخفيف للديون التي كانت في حاجة إليها أيضاً.

وتجدر الإشارة – على أي حال – الى أن اقتصاد اليونان حقق في الآونة الأخيرة درجة من النمو وقد تراجعت معدلات البطالة التي بلغت مستويات عالية. ومن المفارقة أن أكبر رصيد لدى حكومة تسيبراس قد لا يتمثل في استعدادها للقبول بشروط بروكسل بل في كونها على شفا مرحلة من التعافي الاقتصادي وهي غير مسؤولة عن الظروف القاسية التي تحملها الشعب اليوناني في السنوات الأخيرة.