سقوط الرمادي... مفارقات وألغاز بلا نهاية
نجحت الرمادي في الصمود ١٧ شهراً أمام هجمات "داعش" المتوالية، واستطاعت المدينة المحاذية لبغداد، والواقعة على الطريق السوري ـ السعودي ـ الاردني، أن تمثل نموذجاً مختلفاً في زمن الانهيارات العراقية، إذ استطاع أهلها تنظيم صفوفهم وإسناد قوات الأمن في معارك كبرى أثارت إعجاب الأميركيين، وشجعت الجميع على التفكير جدياً بمشروع "الحرس الوطني" كقوة حماية ذاتية لمناطق سنة العراق تتألف من متطوعين محليين.لكن ما كان عزاء في زمن الخسارة، أصبح موضوعاً للخسارة الآن، دون تفسير واضح، بعد اجتياح "داعش" لآخر المدن السنية التي استعصت عليه طويلاً.
وما يشغل العراقيين الآن حزمة مفارقات وألغاز وأحاجي. فالجميع يسأل: لماذا شهدنا انسحاباً مفاجئاً للجيش؟ ولا احد يمتلك اجابات حتى رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي اكتفى بمطالبة الميليشيات الشيعية بالتدخل، في إشارة واضحة الى أن الجيش أعلن عجزه فجأة! كما لا احد يفهم لماذا صمدت العشائر أمام "داعش" في نكسة يونيو العام الماضي، بينما تنهار اليوم بلا سابق انذار، فيما يفترض انها ظروف أفضل سياسياً وعسكرياً. إذ لم يكد الجيش يفرغ من الاحتفال بطرد "داعش" من تكريت، فكيف يعقل أن يمنى هو والعشائر والمستشارون الاميركيون بهزيمة في الرمادي من هذا العيار؟ واذا كانت هذه الاسئلة معتادة في العراق، فإن جرعة السخرية من التقديرات تبدو أكبر هذه المرة. إذ بقي السنة والشيعة يتجادلون طوال تسعة شهور من حكومة العبادي، حول جواز أو تحريم تسليم السلاح للمتطوعين في الأنبار ونينوى، كي يقاتلوا "داعش"، وقال جزء من الشيعة إن هذا أمر خطير لأنه سلاح قد ينتهي الى يد "داعش"، سواء عبر الخيانة أو الفساد أو الهزيمة. غير أن ما حصل هو أن الجيش النظامي انسحب على وجه السرعة من الرمادي تاركاً كميات، يقال إنها كبيرة من السلاح، حيث استولى عليها التنظيم المتطرف. ولا أحد يدري أيضاً لماذا يكرر الجيش اخطاءه التي سبق أن وقع فيها، في نكسة الموصل قبل نحو سنة.أما الأكثر قسوة فهو حال الأهالي الراغبين بالابتعاد عن معارك الرمادي، والذين رفضت بغداد استقبالهم بسبب خشيتها من "اندساس" عناصر إرهابية بينهم، فبقي الآلاف منهم تحت رحمة "داعش" التي يقال انها اعدمت كثيرا من المتعاونين مع الدولة هناك. فيما زحف آلاف آخرون نحو مدينة صغيرة بين الفلوجة وبغداد، وظلت تلاحقهم صواريخ "داعش".والخطة اذ تتجه الآن لشن عملية سريعة تسترجع الرمادي قبل ان يستحكم فيها "داعش" وينشئ تحصيناته، فإن دخول "الحشد الشعبي" والميليشيات الشيعية في هذه الحرب، سيرفع بالتأكيد من مستوى الحساسيات السياسية محلياً وإقليمياً، ويجعل معارك الرمادي اختباراً لمزيد من الاحتكاك المذهبي ذي التداعيات السيئة.ولذلك يحاول ساسة معتدلون من الطرفين اطلاق حوار عاجل لبناء "مستوى ثقة" وضمانات بين الأهالي و"الحشد"، منعاً لحصول عمليات ثأرية ذات طابع طائفي، بخاصة مع رواج أن المعارك قد تبلغ كربلاء المحاذية التي تعد عاصمة دينية لشيعة العالم.