في الذكرى الثامنة والثلاثين لرحيله يظل النجاح الأسطوري للمطرب عبد الحليم حافظ (21 يونيو 1929 – 30 مارس 1977) كممثل على الشاشة الفضية، وقيامه ببطولة ما يقرب من ستة عشر فيلماً في الأعوام من 1955 إلى 1969، من بينها أربعة أفلام في موسم 1955 وحده، بمثابة اللغز الذي يستعصى على الفهم، وليس له من تفسير، بكل ما يحمله من سذاجة، سوى المقولة الشعبية «من أحبه الله حبب فيه خلقه»!

Ad

المثير للدهشة أن عبد الحليم حافظ لم يكتف بنجاحه كممثل، وإنما عاد بعد تسع سنوات من اتجاهه إلى السينما، وقيامه ببطولة ما يقرب من أربعة عشر فيلماً هي: {لحن الوفاء، أيامنا الحلوة، ليالي الحب، أيام وليالي، موعد غرام، دليلة، بنات اليوم، الوسادة الخالية، فتى أحلامي، شارع الحب، حكاية حب، البنات والصيف، يوم من عمري والخطايا»، إلى المشاركة بالغناء فقط من دون الظهور على الشاشة، كما فعل في فيلم «أدهم الشرقاوي» (1964) قصة زكريا الحجاوي، التي صاغ لها السيناريو والحوار سعد الدين وهبة وأخرجها للشاشة حسام الدين مصطفى. وبعد ثلاث سنوات عاد ليشارك بالتمثيل والغناء في فيلم «معبودة الجماهير» (1967)، ثم كانت المرة الأخيرة التي ظهر فيها على الشاشة عبر فيلم «أبي فوق الشجرة»، الذي قام ببطولته مع ميرفت أمين ونادية لطفي وأخرجه حسين كمال، وعُرض في سينما ديانا يوم 17 فبراير 1969.

 بدوره فجَّر مجدي العمروسي، شريك عبد الحليم حافظ وصديق عمره، مفاجأة مثيرة في كتابه «كراسة الحب والوطنية» (الطبعة الثانية 1998) عندما أكد أن «حليم» ظهر بصوته في عدد من الأفلام، التي سبقت ظهوره على الشاشة؛ مثل «بعد الوداع» من بطولة فاتن حمامة وعماد حمدي وإخراج أحمد ضياء الدين، كذلك اختاره المخرج حسن الأمام ليشارك بصوته في فيلم «بائعة الخبز» (1953) في رقصة مغناة أداها شكري سرحان وماجدة، التي استبدل بصوتها صوت مطربة تُدعى برلنتي حسن، ثم اختاره المخرج عاطف سالم ليؤدي دور «الراوي» في فيلم يحمل عنوان «فجر» (1955) قام ببطولته جمال فارس وماجدة.

أما المفاجأة الأخرى المدوية فقد كشف عنها العمروسي بقوله إن عبد الحليم شارك بالغناء في النسخة العربية من فيلم أجنبي مأخوذ عن الرواية الشهيرة «ألف ليلة وليلة» لمخرج يُدعى الفريد ريم اختار للفيلم عنوان «علاء الدين والمصباح السحري» (1951)؛ حيث اختاره المخرج الكبير أحمد كامل مرسي، الذي دبلج الفيلم إلى العربية، ليغني بدلاً من علاء الدين في حين قام شكري سرحان بالأداء الدرامي للشخصية التي وضع حوارها علي الزرقاني.

اللافت أن علاقة خفية ربطت بين عبد الحليم حافظ ومارس، الذي ارتبط بالاعتدال الربيعي، ففي ذلك الشهر عُرضت أفلامه: «لحن الوفاء، أيامنا الحلوة، موعد غرام، البنات والصيف، يوم من عمري والخطايا». بل إن فيلم «بعد الوداع»، الذي شارك فيه بصوته فقط، عُرض يوم الاثنين 30 مارس 1953، وبعد 24 عاماً من عرضه غيبه الموت في التاريخ نفسه!

أدرك منتجو الأفلام التي شارك فيها عبد الحليم حافظ أن تقديمه كممثل فقط يُعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، وربما كانت عواقبها وخيمة للغاية، ومن ثم كان الحرص كبيراً على أن يقدم «حليم» ما لا يقل عن أربع أغانٍ في كل فيلم، زادت في فيلمي «لحن الوفاء» و{دليلة» إلى ست، ربما لأن شادية شاركته الغناء في الفيلمين، في حين كان فيلم «البنات والصيف» هو الاستثناء الوحيد؛ حيث اكتفى بأغنيتين، ربما لأنه ثلث فيلم في عمل ضم ثلاثة أفلام مأخوذة عن ثلاث قصص من تأليف إحسان عبد القدوس أخرج أولها عز الدين ذو الفقار، وثانيها صلاح أبو سيف، الذي اختار للبطولة عبد الحليم حافظ، والثالثة أخرجها فطين عبد الوهاب.

في الأحوال كافة ظلت تجربة «المطرب»، الذي تحوَّل إلى «ممثل» قادر على أن يُصبح «نجم شباك»، وينافس بإيرادات أفلامه الممثلين المحترفين، بمثابة «العقدة»، التي أصابت الكثير من المطربين، وقضت مضاجعهم؛ فقد نجح حليم في أن يقفز على «كلاسيكية» محمد عبد الوهاب، ويتخطى «عصبية» فريد الأطرش، و{شقاوة» محمد فوزي ونأى بنفسه عن «جهامة» كارم محمود وعبد العزيز محمود، واتسعت الهوة بينه ومحمد رشدي ومحرم فؤاد، ومن بعدهما جيل الشباب: مدحت صالح، عمرو دياب، محمد فؤاد، إيمان البحر درويش، مصطفى قمر، تامر حسني، حمادة هلال، حكيم وشادي شامل، الذين طاردتهم، وأرقتهم، الصورة الذهنية الإيجابية التي كرستها أفلامه لدى الملايين، وسعوا إلى محاكاتها، وفي ظنهم أن «التوليفة» تكمن في «الفقير صاحب الصوت العذب الذي ينتظر الفرصة» أو «الرومانسي العاشق»، وفات عليهم إدراك أن السر يكمن في «الشجن»!