في المقال السابق تحدثنا عن السؤال الصعب الأول الخاص بمدى ثقة الناس بقدرة نظامهم على الإنجاز، واليوم نحاول الاستمرار في التدريب الذهني بالإجابة عن التساؤل الثاني: هل هو قادر بحق ويمتلك الأدوات للفعل؟ والإجابة عن هذا السؤال طويلة ومعقدة ومتشعبة، وأيضاً محبطة في مواضع كثيرة. لكني سأحاول أن ألمس بعضاً مما أعتقد أن قطاعاً كبيراً يتفق معي ويلمس من الشواهد ما يؤكد تخوفاته.
منذ عدة أشهر كتبت "لن يتمكن الرئيس وحده مهما كانت عمق رؤيته وصدقه وتفانيه، وهي صفات أشهد له بها وأكثر، أن يعمل وحده أو أن يعمل من خلال وسائل قديمة وأساليب تقليدية، أو عبر نظام بالٍ قديم ممزق مليء بالعيون والثغرات، نظام تغيب فيه الرؤية المتكاملة التي تعتمد المعايير العلمية أسلوباً أساسياً في التنفيذ والقياس وبناء علاقات العمل". وكما يقول التعبير الأدبي: "مرت مياه كثيرة في النهر"، وتسربت أشهر من عمرنا جميعاً، ومازال التخوف الذي أشرت إليه مع كثيرين قائماً.يوماً بعد يوم يتأكد التخوف مما نرى من شواهد، يبدو لنا وكأن الرئيس وحده يعمل، أو في أحسن الظروف لا يوجد من نشعر أنه معه كتفاً بكتف. هذا الوضع المتفاني في العمل بأحادية يتحمل مسؤوليته جميع الأطراف بمن فيهم الرئيس شخصياً. كذلك يتحمل المسؤولية من اعتقدوا أن توسيع قاعدة فريق العمل سوف يعني خصماً من مساحتهم التي يتمسكون بها حتى لو كانت أكبر من قدراتهم أو طاقتهم أو كونهم بشراً في نهاية الأمر لهم قدرات بشرية تظل محدودة بكونهم بشراً مهما بدا أنها قدرات كبيرة. تظل مؤسسة الرئاسة -خاصة في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى- هي الآلة الاساسية أو القاطرة الرئيسية لدفع هذه الأمة إلى الأمام، ولكي تستطيع أن تقوم بذلك فإنه إلى جانب وجود قائد قوي، وهو موجود وقوته وقدراته يشهد ويثق بها الجميع، فإنها تحتاج إلى مكونات أخرى كثيرة لكي تكتمل كآلة قوية قادرة على تلبية رؤية وخطة الرئيس وما يتوقعه الناس منه كقائد لهذه الأمة. وهنا تكمن المشكلة عندما لا نرى نحن المتابعين والمهتمين بالشأن العام ملامح مرضية لوجود هذه الآلة التي أتحدث عنها.في مصر، تلك الدولة الكبيرة شديدة التعقيد، وفي هذا التوقيت، الذي لم يمر على مصر مثله من حيث المخاطر والتحديات، لا يمكن الاقتناع بأن ما يمكننا أن نراه من آلة الرئاسة هو ما تحتاج إليه مصر ويحتاج إليه الرئيس. ما نعتقده هو أن فريقاً رئاسياً بمواصفات خاصة من التعليم والتخصص والخبرة والشخصية والقدرة على العمل بتفان هو الفريق الذي يستحقه الرئيس ويستحقه الوطن في ظل هذه الظروف والتحديات التي يمكن أن تستغرق طويلاً في شرحها. لا مجال في هذه المرحلة للنوايا فقط، والمزج بين أهل الثقة وأهل الخبرة تحت مظلة قيادة تقترب من الإجماع عليها في هذه المرحلة.نحن في مرحلة لا تحتمل التجريب، ولا يمكنها أن تعتمد على رؤية لعدد محدود ليس بينهم كثير ممن تصدوا للعمل العام أو على الأقل يمتلكون مفاتيح المعرفة به. ليس كافياً أن يقرأ المرء كتاباً ليصبح مثقفاً، ولو ترأس اجتماعاً لخبراء وهو ليس منهم لا يعني ذلك أنه أصبح سيد الخبراء. والأكيد أن نجاح إنجاز مهمة تحمل مقومات نجاحها من البداية لا يعني أن الشخص الذي تصادف أنه كان في منطقة الفعل بات خبيراً فيها، فكل الأمر أنه كان في موقع ما في ظل ظرف ما.هذه حقائق بسيطة وتكاد أن تكون مطلقة. لسنا بحاجة إلى إعادة اختراع العجلة، نحن فقط نريد إحضارها وتشغيلها. لا مجال للتجريب أو الاختراع. مهما حاول مخترع جديد للعجلة أن يبتكر فإن نتيجته محدودة، فما هو حاضر الآن هو نتاج تطور فكر وممارسة بشرية على مدى طويل. الصحيح هو الاستفادة من تجارب الآخرين، خاصة الذين نجحوا من قبل في إدارة بلادهم.
أخر كلام
التجريب والنوايا الحسنة... ليست كافية
30-05-2015