كامو يتحاور في «مقهى شاي الحكماء» مع «موسي» في مسرحية بريخت «توراندوت أو مؤتمر غاسلي الأدمغة» قائلاً: «لن أصوغ اليوم شيئاً. أمس بعت لأحد تجار الأوتار رأياً عن الموسيقى الحديثة. موسي: معها أو ضدها؟ كامو: ضدها. إني لا أبيع آراء كيفما اتفق... تلك الآراء لا تصلح لأي كان. أبيع آراء حسب الطلب، فزبائني لا يرغبون بإبداء رأي قد يبديه أيّ كان».

Ad

تذكرت الفقرة السابقة من مسرحية بريخت، ومحورها عن وعاظ السلاطين بتعبير علي الوردي، بعد قراءتي لمقال الأستاذ جهاد الخازن كاتب الصفحة الأخيرة في «الحياة» اللندنية، والذي كان في وقت مضى رئيساً لتحريرها، وفيه يعود الأستاذ جهاد للانتقاص من المعارضة الكويتية.

وطبيعي أن من حق الأستاذ جهاد نقد ممارسة المعارضة الكويتية، بقراءة تنظر لها بمسطرة واحدة لا تفرّق بين رموزها وشبابها، سواء كان بعضهم في السجون مثل مسلم البراك ومعه عدد من الشباب، لأنهم ارتكبوا وفق مدونات قوانين الجزاء الكويتية جرائم التعبير عن الرأي، وهي جرائم ليس لها نظير في المكان الذي استقر فيه الأستاذ جهاد منذ زمن طويل هانئاً مرتاحاً قرير البال بالعاصمة البريطانية، أو كان بعضهم الآخر يتردد يومياً على دهاليز المحاكم، بسبب زخم من قضايا الدولة التي تحاصرهم.

ويغضّ الأستاذ جهاد النظر تماماً عن مواقف كثيرة لهذه المعارضة كشفت فيها عن تجاوزات مالية رهيبة، وجرائم فساد لبعض الرموز السلطوية في الحكومات السابقة وأعضاء في البرلمان.

ربما لا يدري الأستاذ جهاد عن تلك الومضات المضيئة في تاريخ المعارضة الكويتية، وهذا ليس عيباً في موقف الأستاذ جهاد الحريص على «المصالح العليا» للدولة الكويتية حين أصبحت المعارضة، وفق وجهة نظره، حجر عثرة للتنمية والرخاء في الدولة، ويكاد الأستاذ جهاد هنا يوبخ المواطنين الكويتيين بلهجتنا العامية ويقول لهم: «شتبون بعد؟ مو ناقصكم شي»..!

قد أجد عذراً لكاتب «الحياة» اليومي في تقييمه للمعارضة الكويتية - هكذا بصيغة عامة ومن دون تحديد لأشخاصها - فهو حين يزور الكويت، مثلما حدث في مؤتمر مانحي سورية الأخير، يصبح مشغولاً جداً ببرامج زيارات لبعض شيوخ الديرة وكبار أعيانها، مثلما كتب في مقاله الأخير، ملخصاً  قضية المعارضة الوحيدة بحل البرلمان!

فلا يمكن للخازن بجدول برامج مزدحم بلقاءات أُكبرها وأثمّنها، أن يتفرغ لمقابلة أحد من أشخاص المعارضة، ومن يكون هؤلاء أعضاء المعارضة الذين لا تتوهج نجومهم في سماء الإعلام الرسمي والشعبي السائر تحت ظلاله حتى يبحث عنهم الأستاذ جهاد؟

فهؤلاء المعارضون، لن يجدهم الأستاذ جهاد في حفل عشاء «عرمرمي» يقام على شرف المحتفى بهم من ضيوف الدولة، ولن يراهم في صفوف الواقفين  بطوابير التهنئات والتبريكات لكبار الأعيان المسؤولين، من الصعب أن يصادف الأستاذ أحداً من المعارضين، فرسمية المناسبة والزيارة تعدم أي فرصة لمثل هذا اللقاء.

أياً كان عليه الأمر، في مقال الأستاذ جهاد الخازن ورأيه «المحايد» في المعارضة، إلا أنه كذلك يذكرني بالراحل الكبير المفكر إدوارد سعيد، ومأثوراته التي طالما ترددت في كتاباته الناقدة، مقتفياً أثر غرامشي بأن واجب المثقف الحقيقي أن يقف على مسافة من السلطة دائماً... هذا ما تمليه استقلالية الفكر الناقد، وهذا ما يفترض في المثقف الذي يناضل بقلمه من أجل الحقيقة، فقد شبعت مجتمعاتنا إلى حد التخمة من غثّ «وعاظ السلاطين».