{السطو على الإبداع، حرق الأفكار والأموال، تدمير الصناعات الفنية}... مسميات جميعها تصف حالة {القرصنة} على الجديد من الأفلام السينمائية، التي بدأت مع ظهور أدوات تمكن السارقين من إتمام مهمتهم، ووسائط ينشرون من خلالها الأعمال المسروقة، لتصل ذروتها مع جرأة محطات تلفزيونية على بث أفلام لم تغادر بعد دور العرض السينمائي.

Ad

سُرب أخيراً عدد من أهم أفلام الموسم السينمائي في مصر إلى خارج الصالات، في مقدمها {الفيل الأزرق} و}صنع في مصر}، فاجتمعت مجموعة من الخبراء لتقييم الوضع وتحديد المناسب من الإجراءات لتفادي هذه الكارثة مجدداً، منتقدين تجاوب المجتمع مع المنتجات المسروقة. وطالب البعض بالتصدي بالوسائل الحديثة للقراصنة، وألقى آخرون بالكرة في ملعب الجهات الأمنية والقضائية.

المنتج أحمد السبكي قال إن المجتمع يشعر بأنه صاحب المكسب من تسريب الأفلام، لأنه كسر احتكار الشركات لها، ولكنه لا يدرك أنه الخاسر الأكبر على المدى البعيد، فعند سرقة الأفلام والكتب وبيعها بأسعار زهيدة، فإن خسارة المنتج والناشر أمواله ستجبره على التوقف عن مثل تلك الصناعات.

وعبر السبكي عن ضيقه من تصوير الأفلام داخل قاعات العرض، مطالباً أصحابها باتخاذ الاحتياطات اللازمة، وشرطة الإنترنت بتتبع مصدرها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأشار إلى أن ذلك يؤدي إلى ضياع أموال الضرائب التي يدفعها المنتج، وانصراف المستثمرين عن هذا المجال لكونه غير مربح.

استغراب

وأبدى السبكي استغرابه من صمت الحكومة على هذه السرقات، مؤكداً على أن الدول الأخرى تطبق أشد أنواع العقوبات على سارقي الأفلام، لأنها تعتبرهم خطراً يهدد صناعة. وأكد على حالة التراخي من الدولة في التعامل مع السارقين لأنهم حينما أرادوا غلق قنوات المتشددين فعلوا ذلك، وبالتالي فهم قادرون على التصدي للمحطات التي تبث الأفلام المسروقة بالطريقة نفسها، مضيفاً أنه لا يمكن التذرع الآن بعدم القدرة على تتبع قراصنة الأفلام لوجود فضائيات معروفة وتبث الأفلام بمنتهى المباشرة ورغما عن الجميع، وعلى وزارة الداخلية أن تمنع الإعلانات عن تلك المحطات كي تخسر وتغلق تلقائياً، وعدم الاكتفاء بإغلاق المنتديات الإلكترونية التي تنشر الأعمال السروقة، ولكن معرفة من يمدها بالأفلام المسربة ومعاقبته.

فيما أرجع المنتج هشام عبدالخالق سرقة الأفلام إلى {الثغرات القانونية} التي لولاها لتم ردع السارقين، على حد قوله، مطالباً بضرورة إعادة النظر إلى المنظومة القانونية من نصوص وبنود تنظم عملية سرقة الإبداع وحقوق الملكية والنشر، موضحاً أن رجال الشرطة يشعرون بالإحباط بعدما يبذلون مجهوداً جباراً في القبض على سارقي الأفلام ويفاجأون في النهاية بالإفراج عنهم في مقابل أموال بخسة، لأن القضاة ووكلاء النيابة لا يعتبرون ذلك جريمة.

وأضاف هشام لـ {الجريدة} أنه سبق وقُبض على سارقي فيلمه {فاصل ونعود} لكريم عبد العزيز، وكان يأمل أن يأخذ القانون مجراه ليكون هؤلاء عبرة لمن بعدهم، ولكن الأمر انتهى عند محطة {الإفراجات المعتادة}، كما سماها، وخرجوا مقابل غرامة 50 جنيهاً مصرياً. وطالب بـ {تغليظ العقوبات}، متمنياً على السينمائيين تكوين {جماعة ضغط} منظمة للمطالبة بآليات وإجراءات مختلفة بين القانوني والتقني، لمسايرة قراصنة الأفلام بما يملكونه من أدوات حالياً وقدرة على الانتشار في وقت قصير للغاية عبر الشبكات العنكبوتية. وخاطب الجهات الأمنية، قائلاً: {لديكم القدرة على الحد من انتشار تلك الظاهرة السلبية، عبر تعقب الباعة المعروفين في مناطق مشهورة في وسط البلد حيث يبيعون أحدث الأفلام بنسخ رديئة تؤثر سلباً على الإقبال على الصالات}.

وقال إن السارقين أنفسهم يدركون العجز في الجهات السينمائية والرقابية والأمنية والقضائية كافة، وهو ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة التي تزيد يوماً بعد يوم مع جرأة القراصنة الذين يجدون أن هذه التجارة أفضل من تجارة المخدرات، لأنها سرقة بلا عقوبة في القانون.

عقوبات رادعة

فيما أوضح حسام لطفي، خبير الملكية الفكرية وأستاذ القانون، أن القرصنة على المشاريع السينمائية تصل عقوبتها إلى 36 شهراً، وذلك ضمن مادة واضحة في القانون تحت مسمى {قانون مكافحة القرصنة}، يتصدى للسارقين بعقوبات رادعة تصل إلى ثلاث سنوات حبساً، مشيراً إلى أن ذلك على مستوى البنود والأوراق وما تحويه كتب القانون. ولكن عند الدخول إلى حيز التطبيق فإن الأمر يختلف، لأن ذلك يتطلب إقناع هيئة القضاة بأن المتهم مذنب، موضحاً أنه يجب معاقبة سارق الفيلم كسارق البنك.

قناعات

وأضاف لطفي أن ثمة {قناعات قضائية تحكم الأمور} وهي أقرب إلى الثوابت العرفية منها إلى الالتزام بالعقوبات، فالقضاء ينظر إلى الأمور الاجتماعية ولا يدرك الشق القومي في الموضوع، فالقاضي بدلا من تطبيق العقوبة كاملة على سارق الفيلم ليردع بذلك من ينوي فعل ذلك مجدداً، يخفف عنه الحكم بحجة أنه لا يسرق الناس أو يتجار بالمخدرات، ولا ينظر إليه باعتباره شخصاً سلبياً يضر بالمجتمع.

وكشف عن أنه على أرض الواقع فإن من ينسخ الأفلام ويبيعها في الشارع علناً، يعاقب بحكم قضائي، ولكن يتم إيقاف تنفيذه أو يدفع غرامة صغيرة، ما يشجع على استمرار القرصنة، محذراً من أن الأمر وصل إلى حد {خطير} فلم يعد يقوم به أشخاص، ولكن {جهات منظمة} أحد أهدافها التأثير سلباً على الاقتصاد لتحقيق مكاسب أخرى لها.

وعبر لطفي عن رغبته في وضع تشريعات ذات أبعاد تراعي النواحي التكنولوجية، مؤكداً على أن النماذج المعروضة عليه من سرقات الأفلام أخيراً تشير بقوة إلى تطور غير عادي في مجالات السطو على الأفلام، قائلاً: أحدهم سرق الفيلم كاملاً من قاعة العرض بجودة فائقة تنافس النسخ الأصلية من الفيلم}. وأضاف: {يشكل ذلك خطراً داهماً ليس على مصالح المنتجين فقط، ولكن على صناعة السينما بأكملها}.

وأكد لطفي على أن الأمر من الممكن أن يكون مفتعلاً أحياناً، كاشفاً عن لجوء بعض أصحاب الأفلام إلى القيام بدور القرصان لإحاطة الفيلم بهالة دعائية ضخمة تستخدم شكاوى المسروقين فعلاً، ولكن في النهاية يتم الترويج لأفلامهم. ولم يعد الأمر درباً من الخيال، فقد ضُبط بعضهم يصور أفلامه من داخل قاعات العرض، على حد قوله.