أفلام المبدعين التسجيلية... دور ثقافي غائب وأبعاد تاريخية أهملتها {الجهات الرسمية»

نشر في 02-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 02-06-2015 | 00:01
No Image Caption
ألقى الحديث عن استعدادات وزارة الثقافة المصرية لإعداد أفلام تسجيلية عن الشاعر الراحل عبد الرحمن الأبنودي الضوء على أهمية الأفلام التسجيلية التي تتناول سير المبدعين والمفكرين والكتاب، لما تحمله من جوانب تنويرية مهمة تثري الحياة الثقافية وكأداة فاعلة لتوثيق وتسجيل سيرة المبدع، وسجل نابض ووعاء ثقافي حاضن للتراث، قادر بواسطة ذاكرة سينمائية على حفظ وتوثيق تواريخ مهمة وأحداث استثنائية.
يرى الأديب مكاوي سعيد أن الأفلام التسجيلية لا تنتمي إلى الرافد السينمائي فقط، وإنما تؤدي أدواراً ثقافية وتاريخية بحتة، وهي الموجة التي واكبت السينما مع بدايات ظهورها. وتلك النوعية من المواد المرئية التي توظَّف على المستوى الثقافي تسهم في كشف الحقيقة الموضوعية لقضية ما، من دون أن تحتاج إلى طاقم كامل من الممثلين أو الديكور، إنما تحتاج إلى ذهنيات واعية ومبدعة .

 وتابع أن الأفلام التسجيلية التي تتناول أشخاصاً بعينهم لرصد سيرهم، كالتي برزت أخيراً مع وفاة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، تكون لها سمات خاصة تميزها، وتعتمد تماماً على أهداف بعينها كالتسجيل والتوثيق، وتأتي بمثابة وعاء يحفظ منهج المبدعين والرموز ممن تتحدث عنهم، وأضاف: {ما أشد احتياجنا إلى مثل هذه المنتجات الثقافية سهلة الانتشار والمتابعة لكونها مادة مرئية وليست أدبية مقروءة فقط أو إذاعية مسموعة}.

 وأشار سعيد إلى أن تلك الأفلام تمدنا أيضاً بوجبة ثقافة حياتية وأدبية غاية في الإثراء والتنوع، شريطة اعتمادها على خط سير واضح للأحداث وكتابة متماسكة عن الشخوص، مضافاً إليها منهج إنساني وثيق الصلة بالوعي الجمعي عن الشخص أو القضية التي تتناولها، الأمر الذي يتوقف على مهارة صانعي الفيلم في تناول هذه المادة الثقافية الفنية مع هذا الواقع الزاخر بالأحداث والمواقف.

الباحث والكاتب التلفزيوني محفوظ عبدالرحمن شدَّد على أهمية ما وصفه بـ{الفيلم الإخباري}، وهو مصطلح يصف الأفلام التسجيلية، بحسب محفوظ، الذي أشار إلى أن الفيلم التسجيلي يحاول دائماً أن يخبرنا بأمر واضح محدد بأسلوب سلس ورشيق، فهو فيلم إخباري لا تتوافر له الإمكانات والتسهيلات التي تقدم لباقي الأفلام الترفيهية الفنية.

 ويرى عبد الرحمن أن تلك الأفلام برعت في استغلال أدوار تاريخية وجغرافية عرفها العالم بشكل عام في القرن التاسع عشر، تحديداً عام 1895، في حين يعود تاريخ ظهور الفيلم التسجيلي المصري إلى العام 1923 بتصوير عمل عن عودة سعد زغلول من المنفى بواسطة عملاق السينما المصرية آنذاك محمد بيومي، ثم أعقبه فيلم عن افتتاح مقبرة {توت عنخ أمون}، وآخر عن حديقة الحيوان، قبل أن يصنع نيازي مصطفى لتلك الأفلام بعداً جديداً وهو {الدور الدعائي}، فأخرج عدداً من الأفلام لا تتجاوز مدتها الثماني دقائق لشركات بنك مصر.

 واستطرد: {تلك الأفلام التسجيلية الثقافية ساعدتها حركة تطور السينما على مزيد من التعبير عن نفسها، قبل أن تعمل النوافذ التلفزيونية على انتشارها وصنع جودتها على مستوى الكم والكيف، ونلاحظ أن ما يجعل أحدها مميزاً عن الآخر هو كيفية تحليل المادة التي يتم توثيقها وتسجيلها، فثمة قيم جمالية ليست بالضرورة مقيدة بالقواعد الثقافية والانطباعات المجردة، وإنما لا يجب أن نضحي باللمسات الفلوكلورية أو الجمالية مقابل إبراز الحقائق الموضوعية فقط في الحديث عن شخصية ما أو سرد إنجاز تاريخي}.

 

ميزات فنية

 

 واعتبر عبد الرحمن أن إحدى المميزات الفنية لتلك النوعية من الأفلام اختيار اللقطات من الواقع الفعلي من دون الاعتماد على ممثلين متخصصين ومحترفين ولا على كادرات للمناظر الصناعية المفتعلة داخل أستوديو للتصوير، علاوة على استبعاد {الربح المادي} من الأوليات، وإنما التركيز على النواحي التعليمية والثقافية، وحفظ التراث والتاريخ.

واختتم بأن السينما التسجيلية تعد أحد أهم الروافد الفاعلة التي يمكننا إدماجها بشكل معاصر في ما يتم تقديمه من وجبات فنية في قاعات العرض وشاشات السينما، وناشد الجهات الرسمية كافة استغلال وفاة الأبنودي لإعادة التذكير بأهمية تلك الأفلام، كونها تشكل سجلاً نابضاً بالشخصيات المهمة وتفصيلات التاريخ والأحداث الاستثنائية، ونحتاج إليها بشكل خاص في عصر العولمة الثقافية وزمن التحول التكنولوجي حفاظاً على جعل السينما التسجيلية ذاكرة لهوية الأمة وحاضنة للتراث.

 وقال خبير صناعة الأفلام التسجيلية والوثائقية تامر محسن: {حينما ننظر إلى الفيلم التسجيلي اصطلاحياً نجد له مسميات وتعريفات عدة متعلقة باللغة. بحسب عدد من القواميس والمراجع، فإنه يعني {الوثيقة المرئية المكتوبة، أو المستند الكتابي ذا الإخراج السينمائي، أو العرض المدعوم بالوثائق}. على المستوى الشخصي، أرى أنه يشكِّل مادة فيلمية تتناول أحد مظاهر الحياة إما برصد محدد لأحد جوانبها أو لشخصياتها أو لأحداثها التاريخية، وتختلف تماماً هنا عن الأفلام السينمائية الطويلة، أو برامج الراديو الإذاعية}.

وتأسف محسن على إهمال الدولة الرسمية هذا النوع من الفن، {ما أدى إلا غيابه عن منابرنا الثقافية الرسمية سواء الوزارات أو قصور الثقافة إلا لأهداف احتفالية موسمية، كأفلام تحرير سيناء وأفلام تسجيلية تتحدث عن الأعياد القومية للمحافظات، وغالباً ما تتسم بالمعالجة السطحية والمستوى الرديء، في حين نشطت منذ سنوات قليلة تكتلات شبابية تولي اهتماماً كبيراً بالأفلام التسجيلية، وتنتج منها ما يدل على إدراك عميق بأهمية تلك النوعية من الأفلام المصورة لأهداف توثيقية وتسجيلية} .

 وطالب محسن بتنشيط دور الجهات المعنية بالأفلام التسجيلية والوثائقية، كالمركز القومي للأفلام التسجيلية، واتحاد التسجيليين العرب، والمهرجان القومي للأفلام التسجيلية، وغير ذلك، وألا يقتصر الأمر على مجرد إحياء ذكرى رمز ما أو تناول حدث تاريخي معين، قائلاً: {لسنا في حاجة إلى تبيان أهمية تلك النوعية من الأفلام، ولا كيفية تعامل الدول المتقدمة معها، والتي وصلت بها إلى حد توعية المدرسين بطرائق التعليم، والفلاحين بأحدث طرق الزراعة، إلى جانب دورها المعهود في التسجيل والتوثيق الثقافي والفني.

back to top