مخرج لحالة متأزمة
أظن أننا أمام مأزق حاد، إن لم ينتبه له العقلاء فقد يؤدي إلى تغيير طبيعة النظام السياسي الكويتي القائم على قدر عالٍ من حرية التعبير وحرية التنظيم وحرية التجمع. المجتمع الذي يعبر فيه الناس عن آرائهم دون وجل أو خوف من حبس أو مساءلة أو متابعة أو تضييق، ذلك ما يميز هذا البلد الصغير، ويضع بصمة تميزه عن أشقائه في الخليج أو غير الخليج.كان أبرز سجين رأي في الكويت هو الصديق د. أحمد بغدادي- رحمه الله. وتم ذلك في إطار تحرك منظم لمجموعة إسلامية متشددة انتهجت تكتيك رفع قضايا على كُتّاب ممن يخالفونهم التوجه. ورغم أن مدة الحبس كانت شهراً واحداً فإن سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد- رحمه الله- كان كريماً وحكيماً في استجابته للمطالبات، ليعفو عن بغدادي ليقضي في الحبس 15 يوماً فقط.
وكان سجين الرأي الوحيد محبوساً في سجن طلحة، مما سهّل لنا زيارته جماعات وفرادى، وكانت كلفة ذلك الحبس على نمط الحياة الحرة عالية، وكنا نظن أنها خفتت أو تلاشت.أما الآن فنحن أمام مأزق أكثر حدة، فلدينا قرابة مئتي شخص، إما محبوسون أو ينتظرون الحبس، أغلبهم في قضايا تُصنَّف على أنها قضايا رأي، وبالتالي فإن استمرت المسألة على نفس الوتيرة فسنكون أمام عدة عنابر في السجن المركزي ستُملأ بقضايا تُصنَّف على أنها قضايا رأي، مما قد يخلق حراكاً من نوع آخر. لست هنا لأدافع عما قيل، فقد أتفق أو أختلف هنا أو هناك، ولا أناقش الحيثيات القانونية، ولكن الصورة التي أراها للكويت في حالة الاستمرار في الملاحقة والحبس لهذا العدد من المواطنين، هي صورة لا تشبه الكويت التي أعرفها والتي نعتز ونفاخر بها.أغلب القضايا التي أعنيها جاءت في إطار حراك سياسي خلال السنوات الأربع الماضية، انتصرت فيها الحكومة ومَن معها سياسياً، وعانت "المعارضة" التشتت والضعف والتحول، وبالتالي، وبغض النظر عن السند القانوني، فإننا أمام قضايا تم تحريكها لاعتبارات سياسية، ومنطق المنتصر والتأديب، الذي يفسر سحب الجناسي، وإغلاق جمعيات النفع العام، وغير ذلك من الإجراءات.آن الأوان لتحركٍ سياسي لإنهاء هذا التراجع الذي قد يدفعنا، تدريجياً، إلى أوضاع متشابهة مع إجراءات تعليق الدستور وحل البرلمان والرقابة المسبقة في صيف 1986، والتي انتهت بالغزو العراقي للكويت.ولعل ما يدفعنا إلى ذلك هو المبادرة التي قام بها صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد سابقاً في العفو عمن صدرت بحقهم أحكام نهائية، بحقه، وليحفظ الله الكويت من كل مكروه.