أكدت محكمة التمييز أن «السلطة القضائية هي الحارس الأمين على سلامة تطبيق القانون»، محذرة من أن بعض المطالبات التي تنطوي على مفهوم فئوي للقضاء من شأنها الإساءة إلى القضاء وأحكامه، وقد تكون مدعاة للتدخل في شؤونه.

Ad

ردت محكمة التمييز على دعوى البطلان التي أقامتها الحكومة بشأن بطلان المزايا المالية، واعتبرت ان الدعوى المذكورة «إحدى صور الاعتداء الصارخ على حرمة القضاء».

وقالت محكمة التمييز برئاسة المستشار يونس الياسين، في حكمها، إن القضاء الكويتي منذ نشأته لا يعرف التمييز بين القضاة الكويتيين وغير الكويتيين، وأن مطالبة الحكومة ممثلة في ادارة الفتوى بتخصيص دائرة من القضاة غير الكويتيين لنظر الطلبات المقامة من القضاة الكويتيين امر يفتقر الى الاساس القانوني السليم ويعد عملا انتقائيا، وينطوي على مفهوم «القضاء الفئوي» ويفتح الباب على مصراعيه للتشكيك في القضاء وأحكامه، ويكون مدعاة للتدخل في تشكيل دوائر المحاكم، وهو ما يتعارض مع حسن سير القضاء ومقتضيات العدالة المجردة، وينال من استقلال القضاء وقدسيته.

حجية نافذة

وأضافت المحكمة، ردا على دعوى الحكومة ببطلان الاحكام لوجود مصلحة للقضاة مصدري الحكم، إذا أصبح القضاء الكويتي يتشكل من القضاة الكويتيين فحسب ففي هذه الحالة لن يوجد قاض يختص بنظر طلبات رجال القضاء، وهو ما يخالف القانون ويتناقض مع مبادئ العدالة ويجافي منطق الامور وطبائع الاشياء، وهو ما لا يمكن قبوله او تصوره في دولة القانون التي يكون القضاء فيها سلطة مستقلة من سلطات الدولة لا سلطان عليه الا للقانون وضمير القاضي، مبينة أن الثابت من الاحكام التي اصدرتها المحكمة بتاريخ 19/6/2014 أن هيئة المحكمة شكلت وفق صحيح القانون واستجمع الحكم كافة مقوماته القانونية، مستويا على كامل اركانه، مما يمتنع معه المساس بحجيته النافذة، والتي ألزم القانون الجميع باحترامها واعمال مقتضاها. ووجهت رسائل للسلطتين التشريعية والتنفيذية، قائلة إن «السلطة القضائية ممثلة في هيئات المحاكم والنيابات هي الحارس الامين على سلامة تطبيق القانون، ومنه تستمد شرعية وجودها وقوام ولايتها، وبه تهتدي في معرفة شرعية اختصاصاتها، وحدود ومدى السلطة المقررة لها عند الفصل في المنازعات المطروحة عليها، فهي تخضع لمبدأ المشروعية في الوجود ولاحكام القانون في التطبيق».

وبينت أن «استقلالية السلطة القضائية كضمانة مقررة لها بموجب الدستور والقوانين تمنع عنها التدخل في القضايا او شؤون العدالة، وتضمن لها الحيدة والنزاهة في اداء رسالتها، وبث الطمأنينة في نفوس المواطنين، بحسبانها الجهة التي تحمي الشرعية، وترعى حقوق المواطنين، وتصون حرياتهم، ولذا أجمعت كافة الدساتير المعاصرة على اعتبار السلطة القضائية لا تخضع في عملها سوى للقانون ولضمير القاضي، فجميع الاشخاص متساوون امام القضاء، ولكل متقاض، سواء كان مدعيا او مدعى عليه، الحق في محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة استنادا الى القانون».

حرمة القضاء

وأوضحت أن هذا التدخل يكون «في صور عديدة منها ما يشكل اعتداء صارخا على حرمة القضاء وقدسية احكامه، ومن ابرزها ان تقوم السلطة التنفيذية من جانبها بفعل او امتناع يجهض قرارا قضائيا قبل صدوره، او يحول بعد صدوره دون تنفيذه تنفيذا كاملا، او ان يمحو الاثار التي رتبها، او ان يعادل من تشكيل هيئة قضائية ليؤثر في احكامها، او اتخاذ اجراء تشريعي ينقض قرارا قضائيا، لما يترتب على ذلك من زعزعة المراكز القانونية التي ترتبت على اصدار تلك الاحكام ويؤدي بالضرورة الى المساس بهيبة القضاء وقدسية احكامه، ليس فقط في نظر المتقاضين، بل ايضا في نظر عموم الناس، اذ ان هيبة القضاء وقوته من هيبة الدولة وقوتها، ومن اجل ذلك يحرص اي مجتمع متحضر، ينشد الرفعة والتقدم والاستقرار السياسي والاجتماعي على ان يوفر لقضائه كل الامكانيات التي تيسر له سبيل اداء رسالته المقدسة، والنهوض بأعبائها الجسام، وأن يحقق حياة كريمة وآمنة للقضاة، لإعلاء الشرعية، ورعاية سيادة القانون، وحماية الحقوق، وصون الحريات».

وأكدت المحكمة، في حكمها، أن المادة 103 من قانون المرافعات تنص على أنه «يقع باطلا عمل القاضي او قضاؤه في الاحوال المشار اليها في المادة السابقة ولو تم باتفاق الخصوم، واذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من احدى دوائر التمييز جاز للخصم ان يطلب منها الغاء الحكم واعادة نظر الطعن امام دائرة تمييز لا يكون فيها المستشار المتسبب في البطلان، ما يدل على ان سبيل الخصم الى الطعن ببطلان حكم التمييز يكون بطلب يقدمه لذات الدائرة التي اصدرته غير مقيد في تقديمه بميعاد حتمي أخذا بعموم النص واطلاقه، كما انه لا يعد طعنا منه بطريق التمييز، وانما هو بمثابة دعوى بطلان، اصلية فإذا ثبت للدائرة التي اصدرت الحكم المطلوب القضاء ببطلانه ان الطلب قد توفرت فيه موجبات قبوله الغت الحكم الصادر منها، واعادت نظر الطعن امام دائرة اخرى، وإن تبين لها ان الطلب لم يكن كذلك حكمت بعدم قبوله. ومن ثم فان الدائرة التي تختص بنظر دعوى البطلان الاصلية المقامة بطلب بطلان حكم التمييز تكون هي ذاتها الدائرة مصدرة الحكم، ويضحى ما يثيره المدعون في هذا الخصوص، على غير اساس».

وأشارت المحكمة إلى انه لما كان الاصل هو عدم جواز الطعن في الاحكام بدعوى البطلان الاصلية، وان المشرع قد حصر طرق الطعن في الاحكام ووضع لها اجالا محددة واجراءات معينة، وانه يمتنع بحث اسباب العوار التي قد تلحق بالاحكام الا عن طريق التظلم منها بطرق الطعن المناسبة، فاذا كان الطعن غير جائز او كان قد استغلق فلا سبيل لاهدار تلك الاحكام بدعوى البطلان الاصلية، وإن جاز استثناء من هذا الاصل الدفع بانعدام الحكم او رفع دعوى اصلية بذلك في حالة تجرد الحكم من اركانه الاساسية، كأن يصدر من محكمة غير مشكلة تشكيلا صحيحا او من شخص لا يعتبر قاضيا، فإذا كان العيب الموجه للحكم لا يصلح سببا لانعدامه كأن يصدر من قاض غير صالح لنظر الدعوى لتوفر سبب من اسباب عدم الصلاحية، فإن جزاءه - ان صح- هو البطلان وليس الانعدام، ويمتنع بحث اسباب العوار التي تلحق به الا عن طريق التظلم منه من خلال طرق الطعن المناسبة- ان وجدت- وليس عن طريق رفع دعوى مبتدئه ببطلانه».

وأضافت أن المادة 102 من قانون المرافعات تنص على ان يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى وممنوعا من سماعها، ولو لم يرده احد من الخصوم في الاحوال الاتية: (د- اذا كان له او لزوجته او لاحد اقاربه او اصهاره على عمود النسب او لمن يكون هو وكيلا عنه او وصيا او قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة)، وما نصت عليه المادة 103 سالفة البيان، والنص في الفقرة الثالثة من المادة (156) من قانون المرافعات على انه «لا يجوز الطعن بأي طريق من طرق الطعن فيما تصدره المحكمة (محكمة التمييز) من الاحكام».

لا تعقيب

وبينت أن هذا يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- على ان احكام محكمة التمييز واجبة الاحترام على الدوام لا تقبل تعقيبا او تعديلا او تبديلا، وأنه باصدارها تستنفد المحكمة ولايتها بما يحول دون مراجعتها والمجادلة فيها والسعي لنقضها، لذلك لم يأذن المشرع بالطعن في احكامها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية لما استهدفه من تأمين دواعي استقرار الروابط القانونية التي تقتضيها المصلحة العامة، ووضع حد للتقاضي والحيلولة دون تجديد النزاع بلا نهاية، بما يرتبه تسلسل هذه المنازعات من ارهاق للقضاء بطعون سبق حسمها بأحكام نهائية وبأنه إهدار للوقت والمال والجهد دون جدوى، لاسيما ان هذه الاحكام صادرة من محكمة تستوي على القمة بحكم تشكيلها العالي، وما وسد اليها من جليل الاختصاص وعظم المسؤولية وقدر الامانة.

وبينت المحكمة أن المشرع لم يستثن من هذا الأصل سوى ما خوله لمحكمة التمييز من حق الغاء الاحكام الصادرة منها في حالة وحيدة هي قيام سبب من اسباب عدم الصلاحية بأحد قضاتها الذين اصدروا الحكم، وذلك وفقا للمادتين 102 و103 من قانون المرافعات، زيادة في التحوط لسمعة القضاء، وسبيل الخصم الى الطعن ببطلان حكم التمييز يكون بطلب يقدمه الى الدائرة التي اصدرته، كما سلف البيان.

ولفتت إلى أن المرسوم بالقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء قد عهد في المادة رقم (50) الى رجال القضاء انفسهم بالفصل في امورهم المتعلقة بأي شأن من شؤون الوظيفة، وقصر هذا الاختصاص على قضاة محكمة التمييز باعتبارها أعلى هيئة قضائية إمعانا في بث الثقة والطمأنينة في نفوس القضاة، حتى لا يشغلهم عن اداء رسالتهم المقدسة شاغل او هاجس.