لفت وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور صابر عرب، في ندوة «تجديد الفكر الديني عند الإمام محمد عبده» في معرض القاهرة الدولي للكتاب إلى ضرورة إعادة قراءة ما تركه الإمام  ليكون حجة أمام المتشددين، وأشار إلى أن محمد عبده ترك تلامذة على غرار الشيخ عبد المتعال الصعيدي، أحد الأبناء المخلصين للإمام، وأن مدرسته امتدت حتى وصلت إلى الشيخ محمود شلتوت، واعتبر الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر، من تلامذته محمد عبده، موضحاً أننا في حاجة إلى فكر محمد عبده، وفي تلك اللحظة التي يبدو فيها القتل باسم الدين والإسلام، آن الأوان لتكون كتاباته محلا للدراسة، وعلى كل مؤسسة تعليمية أن تأخذ من فكر محمد عبده منهجاً.

Ad

تربية وإصلاح

أوضح الدكتور أحمد زكريا الشلق أن محمد عبده بدأ يفكر في التربية والتعليم وإصلاح الأزهر والمؤسسات التشريعية لتطوير حال الأمة، وأن مدرسته ترى ضرورة وجود كفاءات ليتحقق الاستقلال، لافتاً إلى أن محمد عبده يعتبر مؤسس حزب الأمة مع أنه توفيّ قبل الإعلان عن الحزب، وكان يرى أن كفاءات المصريين يمكنها تحقيق الاستقلال والتعامل مع الاحتلال بشكل واقعي وعملي، وأن تتسلح بالعلم، لذلك عمل على إصلاح التعليم، وهو ما سماه لطفي السيد إعداد الأمة بكفاءات الاستقلال، وكان تلاميذه يرون أن مصر ستصل إلى الثورة بإعداد الشعب من خلال الكفاءات ليصبح المصريون أنداداً لسلطات الاحتلال.

واقترح الإمام مشروعات وبرامج للإصلاح، ما يشير إلى أن  المسؤولين عن إعداد الجامعة المصرية (1908) كانوا من تلامذة الإمام وتبنوا فكرة مقاومة الاحتلال بالإصلاح.

تابع: {فكر الإمام وتراثه يزخران بدراسات، ومن يقرأ كتبه سيجد الاستنارة في قضايا عقلية ودينية.}

وحول تجديد الفكر الديني اعتبر الشلق أن ما طالب به الإمام منذ مئة عام مازلنا نطالب به لغاية الآن، لا سيما في قضية التقليد ولا اجتهاد، وموقف الإسلام من العلم الحديث.

أضاف: {نعني  بالتقليد والاجتهاد، فتح باب الاجتهاد، ومن كلام الإمام: أبواب الاجتهاد مفتوحة في جميع المسائل التي تثيرها ظروف الحياة، ولا يجب أن تكون الكلمة للنصوص البالية... فالدين صديق العلم}. وكان الإمام يطالب بفهم الدين من دون تعقيدات وأن الدين يستند إلى العلم ويهتم بدراسة العقل الإنسانين، مؤكداً أن الفلسفة هي حب الحكمة، وأن التفكير الفلسفي يجب ألا يكون نظرياً بل أن يتورط في الحياة.

تابع: {دافع الإمام عن حرية الفكر بينما الكافر هو المعاند الجامد ومن يغمض عينيه ويسد أذنيه عن الحق، وبيّن محمد عبده أن السلوك المعادي للفلسفة ليس دليلا على أن العيب في الدين منادياً بضرورة الانفتاح على العلوم. وقال الإمام بالحرف: {لقد تآخى العقل والدين في كتاب مقدس}...

أشار المحاضر في هذا السياق إلى أن  طوائف الإصلاح في المدنية الغربية ذهبت إلى إصلاح العقائد لا في التصديق بالرسالة، وأشاد بروح التعاطف بين المسلمين وبين جيرانهم وعدم استشعار عداوة لمن خالفهم، لذلك انتشر الإسلام في الصين من دون السيف إنما بالقراءة، {فالإسلام يحضنا على أن نتعاون مع كل من جاورنا من شعوب الأرض، وأن تحرير العقل يقضي بأن يكون العقل ناقداً وليس ثمة خلاف بين العلم والدين، وليس بين الدين والعلم نزاع}.

أما موقف محمد عبده من الحضارة الأوروبية قال الشلق إنه تعلم الفرنسية في الأربعين من عمره ولديه علاقات وصداقات، وقرأ سبنسر وبراون وتولستوي، وكان  وعلى علاقة باللورد كرومر وهو الأمر الذي استخدمه أعداؤه ضده، فاستغل الإمام هذه الصلة لصالح بلاده ليحقق من خلالها ما استطاع من إنجازات. أيضاً، هاجم نزعة الاقتباس عن الغرب اقتباساً سطحياً ونادى بضرورة نشر التعليم وقال إننا نبدأ بنهاية التطور في الغرب..

رأى الشلق أن الإمام تابع نهج الطهطاوي في المواءمة بين الفكر الإسلامي والأفكار الأوروبية، مؤكداً أن الإسلام أصبح مرادفاً للتمدن، وأن الشعوب الإسلامية لن تتقدم إلا إذا اقتبست من أوروبا إنتاجها العقلي، وعلى المسلمين إعادة تفسير الشريعة بناء لظروفهم.

زمن محمد عبده

في مداخلته أوضح الدكتور عبد الواحد النبوي: {كي نفهم كيـــف تمت صناعة محمد عبده لا بد من أن نعرف الزمن الذي ولد فيه وهو 1849،  رغم العورات التي سيطرت على هذا الزمن، فإنه أعطاه الفرصة في الحصول على العالمية في سن صغيرة.

أضاف: {جاء محمد عبده من أقاصي الريف ولم يكن له أب يقدم له وسائل الثقافة، فالتحق بالأزهر في السادسة عشرة من عمره، وحصل على العالمية في عمر 26 عاماً. كانت أوروبا، في ذلك الوقت، تطغى من خلال موجة استعمارية تمثلت في إمبراطوريات مثل فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا، في حين أن عالمنا العربي كان ينام في سبات عميق، وهو ما كان له أثره في من يدعو بأن تقوم الأمة من سباتها}.

تابع: {في حين انقسمت الآراء حول هذا الأمر، ففيما رأى البعض أننا لا بد من أن نعتصم بمجموعة من الآليات وأن نخطو على نهج أوروبا ونتخلص من الخرافة والتقليد ونلبس ثوب أوروبا، نادت طائفة أخرى بالخروج في حركة إصلاحية مستنيرة تقدم المجتمع بخطوات كبيرة نحو الأمام وهو ما فعله جمال الدين الأفغاني ومن سار على نهجه، وتبع خطاه من تلامذته الذين كان من بينهم الإمام محمد عبده وغيره ممن تبنوا حركة التنوير في مصر، وكان لهم تأثير في تغيير مساراتها وصناعة تاريخها السياسي والفكري والثقافي، مثل سعد زغلول وأحمد لطفي السيد وغيرهما}.