في 16 ديسمبر 1913، انطلقت رحلة غيرترود بيل من دمشق، ميممة حائل بقافلة مكونة من 17 بعيراً محملة بالمؤن والخيام، وثلاثة جمّالين، وطباخ، ومرشد، وقد تلقت تحذيرات عن المخاطر المحتملة، وبالرغم من أخذها الحيطة والحذر في ترحالها، فإن المخاطر واكبت رحلتها: حين هاجم قافلتها بعض الفرسان وسلبوا أسلحتها وذخيرتها عنوة، وانتظرت أسبوعاً حتى أعاد أحد شيوخهم ما سُلب، ثم اعترض طريقها مسؤول عثماني لمنعها من السفر؛ وبعد 10 أيام من المفاوضات المضنية، تمكنت من إقناعه بالسماح لها بالسفر. وعند مرورها بأراضي إحدى القبائل اعترض طريقها شيخ تلك القبيلة، ولم يسمح لها بالمرور، بحجة أنها "نصرانية"، واقترح سراً على رجال قافلتها قتلها وتقاسم حاجاتها، وفي حائل ظلت غيرترود بيل حبيسة في قصر برزان قرابة 11 يوماً، وقد سجلت معاناتها في يومياتها يوماً يوماً. وكانت، مع كل تلك المصاعب، مفعمة بالحيوية والحماسة، وقد شدها جمال الطبيعة في صحراء النفود، وكثيراً ما اعتقدت أنها دخلت إلى كوكب آخر، وأنها تعيش أجواء "ألف ليلة وليلة" الحقيقية.  

Ad

وتستعرض بيل في ما يلي يوميات الرحلة من 3 مارس إلى 8 مارس 1914.

الثلاثاء 3 مارس 1914

ذهب علي في وقت مبكر إلى المدينة، وذكر أن عمه قد رأى إبراهيم صباح هذا اليوم وأرسله الأخير إلى فاطمة، ولقد بعثت كلا من علي وفتوح ومحمد المعراوي إلى المدينة حول إمكانية جلب رواحلنا، جلست مع الرجال، وطلبت من صالح أن يحكي لي قصة هزيمة عبدالعزيز بن رشيد.

قال صالح: كان عبدالعزيز في مكان ما وراء القصيم يبعد عن حائل 8 أيام سيرا على الأقدام، وخمسة أيام على الذلول، وهاجم مطير وهزمهم، فأرسل المطران رسولا إلى الرياض يقترحون على ابن سعود انضمام قواتهم إلى قواته ومهاجمة ابن رشيد، ووفقا لذلك خرج ابن سعود مع مطير، ولم يتبادر إلى ذهن ابن رشيد أن ابن سعود سيقوم بذلك.

فنصبوا خيامهم في الجَلَد بالقرب من النفود، كما قلت من قبل، وأصر أن يستريح في تلك الليلة، ولم يستمع لأي رأي مخالف ذلك، ونحروا الخراف وأكلوا وناموا، وفي الليل سمعوا صوت الناس والخيول فنهضوا مسرعين وأخبروا عبدالعزيز لكنه رفض تصديق ذلك، وقال: «كذب... كذب... شبّوا النار»، وتم إشعال النيران، وهذا يعد بمنزلة تراجع أمام العدو، فرآهم وأطلق النار عليهم.

قفز عبدالعزيز على صهوة حصانه ومعه حفنة من العبيد، وانطلق إلى الأمام نحو العدو وعزوته «أنا أخو نورة»- وهذه هي صرخة الحرب لابن رشيد وأيضا يستخدمها العبيد. (وصرخة الحرب لقبيلة شمر خيال الرحمن سناعيس، وللطوالة: خيال الهدلا طوالي) سمع صوته الأعداء وعرفوه، فقذفوه برمح اخترق جسمه وسقط من حصانه.

وسرعان ما وصلت الأخبار إلى ابن سعود الذي كان هو نفسه متأخرا عن المهاجمين لبضع ساعات، ولم يصدق ابن سعود ذلك حتى جلبوا له خاتم عبدالعزيز بن رشيد، وقام القصمان بفصل رأسه عن جسده وحملوه على راحلة دارت في أنحاء القصيم ليثبتوا أنه تم قتله حقا، وتم التعرف على وجهه: فها هي لحيته الطويلة وشارباه الطويلان. وأمر ابن سعود بدفن جثمانه.

وحوصر جماعة ابن رشيد وأخذوا على حين غرة، كانت مداهمة جماعة ابن سعود وقت الظلام، وقال صالح كانت تلك إرادة الله، وحالما سمع العرب [جماعة عبدالعزيز بن رشيد] عن مقتله وهزيمة قواته تفرق رجال حائل وتركوا كل شيء، وهرب معظمهم سيرا على الأقدام.

كان الطقس اليوم ماطرا مصحوبا بعواصف رعدية. جاءت زوجة سعيد -عبد محمد بن رشيد- لرؤيتي، وكانت هذه الزنجية رشيقة وجميلة ذات صوت جميل ناعم، وكانت هي وسعيد مع سعود في المدينة المنورة، قال البعض إنهما كانا في خدمته مدة 6 سنوات، وقال آخرون مدة 7 سنوات، وكانت ترتدي الملابس الأوروبية آنذاك، هنا عادت إلى الرداء الخارجي ذي اللون الأخضر الأرجواني الداكن والثوب [الفستان] البرتقالي الداخلي.

وطلب عبدالله بن الجلول جلب أغراض لحمولة 1000 بعير من مدائن صالح، وحصل على 400 بعير فقط، والبعير الواحد يستطيع حمل 50 بندقية من دون ذخيرة، لكن من المرجح أن تكون كل الـ1000 بعير حمولتها ليست أسلحة. يقولون إنه ذاهب لحمل الأشياء إلى تيماء من خلال التبديلات وبعد ذلك في الصيف، عندما يكون العرب في أماكن مصيافهم، تجلب إلى حائل.

الأربعاء 4 مارس 1914

وردت أنباء من العرب مفادها أن ابن شعلان تراجع شرقا أمام ابن رشيد، وأخذ هذا الأخير الجوف دون أن يطلق رصاصة واحدة، وقال علي إن الرولة لا يرغبون في استيلاء ابن الشعلان على الجوف لأنه مصدر دائم للنزاع. في الساعة 11 جاءني سعيد المحمد (العبد) ومحمد وقال لي: لن يسمح لي بالمغادرة حتى تأتي أخبار من الأمير. أجبته بأنني أشعر بالضجر والملل من حائل وأرغب في الرحيل، ولم أطلب من إبراهيم أي شيء سوى رفيق. قال سعيد: «ما يصير»، ثم ذهبت وتناقشت مع محمد المعراوي، وتكررت المناقشة مع علي، وكررت طلبي بتزويدي برفيق ورفض طلبي، ثم غادر سعيد ومحمد.

في هذه الأثناء طلبت من علي أن يذهب إلى أعمامه لمعرفة ما يدور في أذهانهم، عاد مع ابن عمه عبدالله بن محمد (والذي قتل والده على يد جماعة ابن سعود في عنيزة). دخل علي خيمة فتوح، وقال لنا: إن رأي أعمامه بأن الحديث لا يعني شيئا، ولكن نوعا من المداراة أو اللباقة، آمل أنه قد يكون كذلك، ثم ذهبت وتحدثت مع عبدالله وقال: تأسست عنيزة في عهد جده، حيث كان بعض الرعاة يرعون قطعانهم هناك وحرثت «عنز» [عنزة أو معزة] التربة فانبثق الماء؛ لذا يطلق على البلدة عنيزة، في الساعة 6 مساء جاء رجل وأخبرني عن دعوة لي من الحريم.

تناولت العشاء وتجولت في الشوارع تحت ضوء القمر، وانحرفنا إلى اليسار من بوابة القصر، وكانت تركية في استقبالي، فصحبتني إلى الروشن الكبير حيث وجدت موضي أم سعود، والتي كانت زوجة لمحمد قبل أن تتزوج عبدالعزيز. امرأة جميلة جدا، في ثوب من الديباج الهندي، وتضع وشاحا أسود على رأسها، جاء لرؤيتي اثنان من الفتيان هما ابنا سعود، بملابس مبهرجة، يرتدون الأقمشة المطرزة الهندية، وعيونهم السود الكحيلة.

وأيضا جاءت أختهم الصغيرة بثوب مزركش، ومن على رأسها يتدلى اللؤلؤ، وفتاة أخرى جميلة جدا، وخجولة جدا، هي إحدى زوجات سعود، ترتدي الأقمشة المطرزة الرائعة مع وشاح مطرز بالذهب فوق رأسها، والشقيقة الكبرى لعبدالعزيز، وشركسية أخرى، أصغر سنا وأكثر جمالا من تركية، الكثير من النساء الأخريات، إحداهن ترتدي ثوبا أنيقا جدا مرصعا بالجواهر ربما كانت زوجة أخرى لسعود، جلست تركية أمامي كـ«ترجمان»، قدم لنا الشاي والقهوة والحلويات- تلك التي أهديتها لهن!- مع الليمون الحلو والرمان والأترنج.

ثم احتسينا المزيد من القهوة وطلبن مني أن أقرأ شيئا من الإنجيل باللغة الإنكليزية، وتلوت «طوبى لأنقياء القلب» وترجمتها، ثم أخذتني تركية إلى حديقة داخلية صغيرة فيها الأترنج والليمون معلق فوق بركة، ثم انتقلت إلى روشن سعود، حيث وجدت محمد المعراوي وسعيد الخصي.

هناك قباب مطرزة بالتشجير ونقوش على الجدران مصنوعة من الجص ومطلية باللون البني والأبيض، وفي الساحة هناك 4 مدافع صغيرة، كان المشهد بأكمله مثل ألف ليلة وليلة.

الخميس 5 مارس 1914

لاتزال المناقشات تدور حول رحيلي، ذهب محمد المعراوي صباح هذا اليوم إلى حمود وسيقابل إبراهيم، وفي هذه الأثناء لم تصل إبلنا بعد، أرسلت موضي جريوبا معبرة عن أسفها واعتذارها، وتأمل أنه عندما يعود الأمير-ربما بعد يوم- أن أقوم بزيارتهم، أجبته بتبليغها سلامي وأن يخبرها بأنني عازمة على الرحيل.

اقترح فلاح أن أبيعه هو نفسه لحل مشكلة الضائقة المالية التي تواجهنا! وتجارة العبيد أصبحت غير رائجة في الوقت الحاضر، يجلب العبيد من مكة [المكرمة] وجدة.

بعد العشاء جاءتني تركية وتحدثت إليها عما أواجهه من مشكلات، وتركية متزوجة من عبيد الغريميل، وهو شقيق حامل لواء الحج، وقد منحها محمد الرشيد منزلا وزوّجها إلى عبيد قبل سنتين من وفاته، وقالت إنها متزوجة منذ 19 سنة وتفتخر كون زواجها استمر فترة طويلة.

الجمعة 6 مارس 1914

في صبيحة يوم 3 مارس جاءني العبد الخصي «سعيد»، وهو شخصية مهمة جدا ومعه آخر، وأبلغني أنه غير مسموح لي بالسفر، وفي الوقت نفسه لم أحصل على مبلغ الحوالة المالية التي قد سلمتهم وصلها، وأبلغني أيضا أنه يجب عليّ الانتظار حتى يصل رسول الأمير [البشير].

وأرسلت رسائل فورية إلى أعمام علي، واستؤنفت المفاوضات من جديد بقوة وحيوية، وفي اليوم التالي جاءتني دعوة من والدة الأمير -موضي- لزيارتها مساء، وذهبت هناك وأمضيت ساعتين مع نساء القصر كأنني اقتطعتهما مباشرة من حياة ألف ليلة وليلة، أتصور أنه لاتزال هناك أماكن قليلة من خلالها يمكنك رؤية الشرق الحقيقي متشبثا بعاداته كما ورثها منذ قرون وقرون، وإن حائل تعد من تلك الأماكن القلة.

رأيت النساء وهن يلبسن أردية من الأقمشة المطرزة الهندية، ويتزينّ بالمجوهرات، ويطوف لخدمتهن العبيد [القيان]، وليس هناك شيء واحد له صلة بأوروبا أو الأوروبيين في هذه البيئة سواي، كنت أمثل الاستثناء ووصمة العار! بعض النساء من عائلة الشيوخ كن فائقات الجمال.

إن سطوة القوة والمجد يترتب عليها أن يفرض المنتصر نفوذه الجائر ويؤدي ذلك إلى أن تنتقل المرأة من يد رجل إلى يد رجل آخر، وكيف أن يدي هذا الرجل الجديد قد تكون ملطخة بدماء زوجها السابق وأطفالها، أمر يستحق التفكير والتأمل! فعلى سبيل المثال نجد أن موضي نفسها -لا تزال شابة وفاتنة جدا– على الرغم من أنها قد تزوجت ثلاثة أمراء، حسنا، أحاول أجد تفسيرا، ولكن حقا ما زلت أشعر بالحيرة والارتباك تجاه هذه المسألة.

أصبحت في حبس انفرادي، إنني سجينة وحدتي في هذا البيت الفسيح الذي قدموه لي، أرسلت موضي إلي عبدتها في الصباح مع هدية إناء من اللبن، وتحذير بعدم التحدث كثيرا عن مغادرتي، وقالت لي تركية: إن علي الحمود وجه لي دعوة لقضاء ساعة في الحديقة بعد الظهر.

ذهبت بعد صلاة الظهر ومكثت حتى العصر، مرة أخرى عشت أجواء تجمع بين الشرقية والعصور الوسطى، وجدت علي الحمود وشقيقه الاكبر محمد، أو بالأحرى وجدت في البداية عددا من الصبية الصغار- أبناء السبهان وأبناء متعب- وجميعهم يرتدون الأقمشة الهندية المطرزة: حيث يوضع (الزبون) فوق الثوب، وهو من الجوخ الأصلي المزركش بخيطان الحرير والذهب (الفرملية) والكوفية البيضاء مطرزة بالعديد من الألوان.

ثم أعربت عن رغبتي فيما يتعلق بالمال ورحيلي لكنني قوبلت برفض مهذب حتى وصول «البشير» [رسول الأمير]، وبعد ذلك قمت بجولة في الحديقة، ورافقني الأطفال الصغار بجولتي وهم يمشون الهوينى بثيابهم الطويلة المطرزة بالذهب، يخيم عليهم الوقار والصمت، يحدقون في وجهي بعيونهم الجميلة، وعمر من استضافني ما بين الثالثة عشرة والرابعة عشرة، كانت ملامح وجه أحدهم تدل على البشاشة مثل أي صبي طبيعي، وآخر ملامحه تدل على الغموض والرصانة، ولكنّ كليهما يتميز بكرم الضيافة الزائدة.

ومرة أخرى عبرت لسعيد الخصي، وكان من ضمن المجموعة، عن رغبتي في الرحيل من حائل، وجاء الرد سلبيا: لن أبرح حائل حتى يأتي رسول الأمير، لا أنا ولا أحد يعرف متى يأتي الرسول، ولم أكن أعرف ما الذي تخفيه الإجابة.

جاءنا سعيد المحمد ومحمد بن شومر بعد صلاة العصر وتحدثت إليهما حديثا شديد اللهجة، معربة عن استيائي لعدم تنفيذ رغباتي للمرة الثانية وأنهيت المقابلة على نحو مفاجئ عندما نهضت غاضبة وتركتهما جالسين، اعتقدت فعلا أنني كنت متسرعة بذلك التصرف، ولكن حقيقة الأمر كنت منزعجة ومستفزة، وعندما غادرا قالا لمحمد المعراوي إنني لن أغادر حتى يصل البشير.

بعد ساعة وصلت إبلنا بعد أن كانت ترعى بالفلاة مع الراعيين سيف وعبدالله العجوز، وبعد أن حل الظلام جاءني سعيد ومحمد، ومع سعيد كيس من الذهب، وإذن صريح بأن أذهب إلى أي مكان أحببت ومتى شئت، وهكذا انتهت المشكلة على نحو جيد! ويبقى التساؤل: لماذا سمحوا لي بالرحيل ولماذا لم يسمحوا لي بذلك من قبل؟ لست أدري، ولا أستطيع أن أخمن الأسباب، ولكن على أي حال أنا الآن حرة وأشعر براحة تامة.

السبت 7 مارس 1914

 جرت الاستعدادات للرحيل، وفي الساعة 11 جاءنا رجل وأذن لنا برؤية القصر، وبعد تناولي الغداء ذهبت مع كل من: فتوح، ومحمد المعراوي، وسالم، وفلاح، ومصطفى. أشعر بالكثير من الإثارة في الشوارع ولكن حتى الآن وأنا لا أرى أي سوء نية، في السوق الصغير تقوم المرأة البدوية ببيع اللبن والزبدة والسمن، كان في استقبالي في القصر «سعيد» الذي يبدو أنه غير سعيد، ورجل آخر شاحب الوجه مع عينين غائرتين لا أعرف اسمه.

اصطحبني في جولة داخل المضيف وسمح لي (بل شجعني على) التقاط الصور، ودخلنا من خلال بوابة كبيرة إلى فناء أو ساحة فيها نقوش وزخارف، توجد أعمدة على ثلاثة جوانب، والأسوار من الجص، وهناك أربع أو خمس قطع مدفعية قديمة جدا (وقيل لي إنها قبل عهد محمد بن رشيد)، وهناك جناح على هيئة أعمدة يحتضن أكبر دلال قهوة لم أرَ لها مثيلا على الإطلاق. والقهوجي لديه مكان صغير مغلق خاص به، مقابل السور، حيث قدم لنا القهوة، وجلس بالقرب من موقد كبير.

ثم انحدرنا إلى ممر طويل على يسار البوابة، بين جدران عالية لساحة غير مسقوفة إلى ساحة أخرى فيها ثلاثة أو أربعة مدافع، وفي الساحة يوجد المضيف، في كلا الطابقين والاعمدة تحيط بها، وتوجد غرف للضيوف في كلا الطابقين، وأطباق كبيرة معلقة على الجدران توضع فيها اللحوم والأرز. وعود إلى الحديث عن فناء المضيف الذي قمت بتصويره في الطابق العلوي حيث تناولنا التمور والزبدة الطازجة. إنه مزخرف على الدرابزين، وسقفه جميل تحيط بسوره فتحات معتادة، هنا كان يتم استقبال شيوخ العرب، ثم مرة أخرى دلفنا إلى البوابة، إن الجمال الاستثنائي لمدخل البوابة منظر العبيد وهم يرتدون ثيابهم القطنية الملونة.

التقطت صورا لمناظر خارجية مثل: سوق المسحب وأعمدة المسجد، وبعد أن تجولت لمدة طويلة عدت إلى بيتي وذهبت خارج المدينة لتصوير صخرة عليها بعض النقوش احتشد جمع من الصبية الصغار حولي وكانوا ودودين للغاية.

بدا جمال حائل المتفرد يظهر جليا بعد الظهر، إن هذه المدينة تقع وسط سهل منبسط تربته حصوية نظيفة، تحيط بها الحدائق وبساتين النخيل وخلفها تشمخ قمة جبل أجا الصخرية.

 وعندما أرخى الليل سدوله، استدعيت رجالي وسددتهم أجورهم، ثم جلست مع مبروكة ولولوة وعطا الله واحتسينا أكواب الشاي وتناولنا فناجين القهوة على ضوء خافت، حتى انني لم أستطع رؤية الأعمدة في هذا الظلام الدامس.

الأحد 8 مارس 1914

في الساعة التاسعة صباحا شرعنا بالرحيل ذهبت لأودع رجالي وداعا حارا مستحقا وهم كل من: محمد المعراوي، وسالم، وسعيد، ومصطفى، وكانوا قد توسلوني هذا الصباح للحصول على مسدس لكنني سبق أن أعطيته لسالم.

كان صباحنا اليوم مشرقا، من بُعْدٍ نرى منظر السراب الذي يطوق بساتين النخيل ومضيق جبل أجا عند عقده، وتهب علينا نسمات عليلة، وعلى الرغم من سجني فإنني أحمل انطباعا عميقا عن جمال وسحر حائل: بطرقاتها الخالية من الغبار، وصمتها الرهيب، وخلوها من المركبات ذات العجلات، فقط آثار خفاف الإبل والحمير على الحصى الناعم. وأمس جاءت قافلة من المدينة [المنورة] ورأيت الإبل وهي تتدافع عبر بوابة البلدة.

شرعنا في الرحيل أنا مع فتوح، وفلاح، وسيف، وكانت قافلتنا تتكون من ثماني رواحل، فسرنا بموازاة سور المدينة، على طول ممر ضيق بين حائل وجبل السمراء، وهنا كانت البساتين غير مسورة، ومررنا بالسويفلة وهي غير مأهولة، تتناثر فيها أنقاض وآثار، ولا شيء سوى أشجار الأثل، وشمال الآثار هناك «قليبان» [بئران] جديدتان مسورتان، وقد منحهما الأمير لمشهدي [من أهل «مشهد علي»- النجف] لكن لا زراعة قربهما، وكنا قبل السويفلة قد سلكنا جانبا من طريق بقعاء وهو طريقي الصحيح، ومن السويفلة رجع عثمان إلى حائل، وأخذنا نغذ الخطى وسط سهل منبسط.

لم يأتنا علي، وفي الساعة الثانية عشرة بدأ ينتابني القلق، وعبّر مشهور أيضا عن قلقه بأنه لا يعرف الطريق، وكذلك لم نتفق على مكان معين نلاقي علي فيه، وسرنا عائدين حتى رأينا النخيل، وبعد ذلك بحثت عنه من حولنا من خلال المنظار المكبّر، وعلى سفح جبل أجا من الصعوبة بمكان أن نرى بوضوح لوجود السراب.

وأخيرا ركب مشهور على ظهر بعير فتوح وعاد إلى حائل! صعد فتوح إلى رأس تل ومن هناك رأى علي فأطلق رصاصة من بندقيته في الهواء، ونحن ما زلنا نجلس ننتظر المفقودين، وبعد طول انتظار تسلقتُ تلاً فرأيت فتوح في ثوبه الأبيض ذاهبا سيرا على الأقدام إلى قرية، وهناك وجد علي فجاء الاثنان إلينا، ونصبنا خيامنا على بعد ميل من القرية، وبعد ساعتين عاد إلينا مشهور من الشيوخ، وهو من أهل القرية فذهب لرؤية عائلته، وعاد بعد حلول الظلام مع ابنته الصغيرة والتي يعانقها كثيرا، وجلب معه خروفا وبعض الزبدة واللبن. وجلب لنا العبد أيضا بعض العلف لبعير منهك، ومشهور هو ابن خالة لهيلم السند ويحبه كثيرا، وكانت ليلتنا ممتعة.

خاتمة

من هنا بدأت رحلة العودة إلى دمشق بتاريخ 8 مارس 1914 من حائل إلى الحيانية فالنجف فكربلاء فبغداد فالرمادي فتدمر فالضمير، والوصول إلى دمشق في 1 مايو 1914.

واكتفى المترجم بهذا القدر من ترجمة يوميات غيرترود بيل لأهميتها، وعدم ترجمة يومياتها أثناء العودة لخلوها من الإثارة والتشويق.

من يوميات الرحالة البريطانية غيرترود بيل قبل قرن من الزمان (الحلقة 9)