المفترض أنه معروف أن "غزوة" الحوثيين الأخيرة على صنعاء، وقبلها على "عمران" كان أحد أهدافها إنهاء المبادرة الخليجية التي وضعت اليمن على بداية طريق كان من الممكن أن يأخذه إلى الاستقرار والهدوء، بعد عواصف السنوات الماضية منذ حرب عام 1994، فهؤلاء اعتبروا أن هذه المبادرة استهدفتهم، ومن ثم استهدفت النفوذ الإيراني المتصاعد في شطري هذا البلد، الشطر الشمالي والشطر الجنوبي، كما استهدفت علي عبدالله صالح الذي كان يظن أن فترة حكمه ستستمر من المهد إلى اللحد.

Ad

وبالطبع فإن هناك من يرى -إنْ من بيْن الحوثيين وإنْ منْ غيرهم- أن هذه المبادرة قد رجَّحت "حصة" الجنوب على حصة الشمال وحصة "الشوافع" على حصة "الزيديين"، وذلك على اعتبار أن الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي هو "شافعيٌّ" وجنوبي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الوزراء، المستقيل أو المقال، محمد باسندوة، ومثل هذه الأفكار إنْ كانت تراود البعض فإنها بالتأكيد لا تراود بعض الذين يتصدرون المسيرة السياسية... اللهم إلا إذا كان هذا البلد لايزال "مشطراً" بعد 24 سنة من وحدته، وإلا إذا كان دافع هذه الوحدة بالأساس هو الهروب من أزمة كانت مستفحلة، والظاهر أن هذه الأزمة لاتزال مستفحلة.

والثابت أن الحوثيين، الذين يحاولون تكرار تجربة حزب الله في لبنان في اليمن، ليسوا وحدهم في هذه الهجمة التي من الواضح أنها لن تقف عند ما أنجزته ووصلت إليه، فبالإضافة إلى علي عبدالله صالح، الذي رفض مغادرة البلاد لأنه كان مصمماً على الاستمرار بالحكم ولكن من المقعد الخلفي، هناك علي سالم البيض الذي انتهت به "ماركسيته" المتطرفة لاجئاً سياسياً في "دويلة" حسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية. وهنا فإن الأهم والأخطر هو تطلعات طهران لاستكمال الهلال الإيراني، وهو احتمال سيطرة الحرس الثوري على باب المندب و"تطويق" المملكة العربية السعودية ومعظم دول الخليج من الجنوب.

فهل هناك مؤامرة حتى يحدث كل هذا الذي حدث، وحتى يحقق الحوثيون هذه الانتصارات التي حققوها، والتي تشبه انتصارات "داعش"، بكل هذه السهولة...؟! والجواب نعم إن هناك مؤامرة داخلية، اعترف بوجودها الرئيس عبد ربه منصور هادي "وفضحها" عدد كبير من السياسيين اليمنيين، وبعض قادة الأحزاب وتحدث عنها المبعوث الأممي جمال بن عمر، وباتت هذه المؤامرة معروفة ومكشوفة، ولا ينكرها إلا "متورِّطٌ" أو أعمى بصرٍ وبصيرة.

لقد سمع العالم كله تلك التصريحات التي أطلقها قبل أيام قليلة أحد كبار المسؤولين الإيرانيين، وقال فيها إن هناك أربع عواصم باتت ملحقة بالعاصمة الإيرانية طهران، هي: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وهذا لا يمكن دحضه ولا إنكاره، ولعل الأخطر منه هو أن سيطرة الحوثيين على مدينة "الحُديِّدة" ومينائها تعني سيطرة إيران على باب المندب وسيطرة إيران على باب المندب تعني سيطرتها على البحر الأحمر... وبالتالي تعني وصولها المباشر إلى قناة السويس وإلى شبه جزيرة سيناء حيث هناك "أنصار بيت المقدس" التابعون لجماعة الإخوان المسلمين (المصرية) التي تخوض ضد الرئيس السيسي ونظام ثورة الثلاثين من "يونيو" حرب عصابات إرهابية.

ولهذا فقد جاء التحذير الأخير الذي أطلقه وزراء داخلية مجلس التعاون الخليجي، الذي قالوا فيه إن "دول المجلس لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التدخلات الخارجية الفئوية في اليمن، حيث إن أمن اليمن وأمن دول المجلس يعتبران كلاً لا يتجزأ"، والمعروف أن الدول الخليجية بقيت تعمل وهي لاتزال تعمل على أن تكون علاقاتها مع إيران مبنية على حسن الجوار وعلى الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، لكن مما لا شك فيه أنه إذا بقي هذا الموقف من جانب واحد وأنه إذا استمرت طهران تفعل ما تفعله الآن في اليمن والعراق وسورية ولبنان، فإن ترجمة هذا "التحذير" تصبح واردة وفي أي لحظة!