تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف الأفلام التي تصور ممارسات إرهابية حادة؛ بعضها  لا يمكن تحمل مشاهدته من قبل قطاعات عديدة في الجمهور، حيث تصل إلى غرف الأخبار الكثير من المقاطع المصورة التي تتصل بمثل تلك الأفعال غير الإنسانية، وهنا تثور الأسئلة عن المعايير الواجب اتباعها في مثل تلك الأحوال.

Ad

منذ إذاعة الفيديو المريع لحرق الطيار الأردني الكساسبة، والأسئلة لا تنقطع بخصوص قواعد نشر وعرض الصور والأفلام التي تحتوي على ممارسات إرهابية من هذا النوع العالي الحدة.

لم يكد العالم يلتقط أنفاسه بعد نشر فيديو الكساسبة حتى جاء فيلم آخر من نمط "هوليوودي" أيضاً، يصور ذبح أفراد من "داعش" 21 قبطياً مصرياً في ليبيا.

تحفل مواقع التواصل الاجتماعي بآلاف الأفلام التي تصور ممارسات إرهابية حادة؛ بعضها لا يمكن تحمل مشاهدته من قبل قطاعات عديدة في الجمهور، وتصل إلى غرف الأخبار، بوسائل الإعلام التقليدية، الكثير من المقاطع المصورة التي تتصل بمثل تلك الأفعال غير الإنسانية، وتثور الأسئلة عن المعايير الواجب اتباعها في مثل تلك الأحوال.

هل يجب أن ننشر ونعرض صور العمليات الإرهابية البشعة لكي يعرف الجمهور ما حصل، أم علينا أن نحجبها حرصاً على شعور المشاهدين وكرامة الضحايا وشعور ذويهم؟

يعد ذلك السؤال من الأسئلة الصعبة، التي لا يجوز أن تكون الإجابة عنها بكلمة واحدة من نوع "نعم" أو "لا"، لأن إجابته يجب أن تكون قادرة على تحقيق التوازن بين عناصر مختلفة كلها تتسم بقدر معتبر من الأهمية.

حين يَرد إلى أي وسيلة إعلام شريط أو صورة أو نص ما يعبر عن سلوك إرهابي حادّ ومتجاوز لقدرة قطاعات من الجمهور على مشاهدته، عليها أن توازن بين الاعتبارات التالية قبل اتخاذ قرار بالإذاعة أو الحجب:

أولاً: حق الجمهور في معرفة ما حدث. فمن واجب وسيلة الإعلام أن تعرض على الجمهور تفاصيل الأحداث المهمة التي تقع في نطاق اهتمامه؛ لأن حجب مثل تلك التفاصيل يمكن أن يجرد الجمهور من القدرة على تحليلها على النحو السليم، ومن ثم تكوين الرأي المناسب حيالها، واتخاذ القرارات الملائمة بخصوصها.

ثانياً: حق وسيلة الإعلام في الحفاظ على قدرتها التنافسية، في وقت تقوم فيه وسائط أخرى عديدة بنشر كل الصور والأفلام دون أي تقيد بأصول مهنية أو أخلاقية.

ثالثاً: حق الجمهور في أن تتوافر له الحماية من مشاهدة المناظر المؤذية والجارحة للمشاعر، وخصوصاً أن بين هذا الجمهور بالتأكيد من هم دون سن الرشد، وبينهم أيضاً من يعاني أمراضاً يمكن أن تضاعف المشاهد الصادمة أثرَها.

رابعاً: حق ضحايا العمليات الإرهابية في الخصوصية والكرامة الإنسانية، خصوصاً أن هذه الأفلام والصور تظهرهم في أوضاع مهينة أحياناً، أو تبرز انهيارهم أمام قسوة وإجرام الجناة، أو تعري أبدانهم، أو تكشف عن توسلاتهم لجلاديهم، بما ينال من كرامتهم.

خامساً: حق ذوي ضحايا العمليات الإرهابية وتلك الممارسات الحادة في طريقة لائقة لإبلاغهم بما حدث لذويهم من المجني عليهم، وفي حماية مشاعرهم الإنسانية التي يتم انتهاكها في كل لحظة يتم فيها عرض مشاهد تعذيب أو حرق أو قتل أبنائهم وأحبتهم، وفي حماية طفولتهم أو شيخوختهم، إن كانوا أطفالاً أو شيوخاً، من الانتهاكات الصارخة التي تستهدفهم بها تلك المشاهد بشكل خاص.

سادساً: حق الجمهور والأطر النيابية المختلفة في المجتمع في معرفة ما جرى للضحايا، بما يمكّن من مساءلة الحكومة عن أدائها واحتمالات تقصيرها في إنقاذهم.

سابعاً: التوثيق. بمعنى أن وسائل الإعلام تقوم بأدوار عديدة مختلفة؛ مثل الإخبار، والتثقيف، والترفيه، لكنّ من بين أدوارها أيضاً دوراً بالغ الأهمية وهو توثيق الوقائع، ولذلك، سيكون من المهم جداً أن يكون هناك فيلم في وسيلة إعلام ما لمشهد حرق الكساسبة، باعتباره جزءاً من تاريخ المنطقة، وفيلم لمشهد ذبح الأقباط المصريين في ليبيا، باعتباره حدثاً مفصلياً ترتبت عليه أحداث أخرى عسكرية وسياسية كثيرة.

ثامناً: المصلحة العامة. بمعنى ما قد يترتب على إذاعة مشهد ما من آثار سلبية على الروح المعنوية للجمهور، أو قدرة الدولة على إنفاذ القانون، أو سلامة العسكريين وتماسك القوات النظامية.

إن القرار الذي يجب أن يتخذه مسؤول غرفة الأخبار في وسيلة إعلام رشيدة حيال مثل هذه المشاهد والصور الحادة يجب أن يكون محصلة تحقيق التوازن بين الاعتبارات الثمانية السابقة.

واستناداً إلى ذلك، فسيكون قرار إذاعة مشهد حرق الكساسبة أو ذبح الأقباط المصريين في ليبيا كله، كما صوره "داعش" خطأ، وسيكون قرار حجب المشهدين كلهما أيضاً خطأ.

إن الإذاعة الكاملة لمثل تلك الأفلام ستلبي عوامل مثل حق الجمهور في المعرفة، وحقه في الإلمام بطبيعة ما جرى، بما يعينه على مساءلة السلطة في حال كان أداؤها في الأزمة محل جدل، وحق الوسيلة في الحفاظ على قدرتها التنافسية في مواجهة الوسائل الأخرى، التي أفرطت في عرض الفيلم... وأخيراً سيكون هناك توثيق لهذا الحادث المريع.

لكن الإذاعة الكاملة للفيلم ستؤدي إلى انتهاك عدد من المعايير السابق ذكرها؛ مثل حق الضحية في الكرامة الإنسانية؛ حيث تم إظهاره في تلك اللحظة التي يذهب فيها إلى الموت تحت رحمة جلاده، وربما تكون تعبيرات الشعور بالهلع قد ظهرت على وجهه، وباتت آخر ما سُجل عنه من انطباعات.

كما أن عرض الفيلم كاملاً يمثل حصة تعذيب كاملة، تنتهك كرامة ذوي الضحية، وتسحق مشاعرهم، وهو أمر يمتد أيضاً ليمسّ الكثيرين من أفراد الجمهور، خصوصاً من المتعاطفين والمحبين والمؤيدين لموقف الضحية أو ما يمثله.

إضافة إلى ذلك، فإن في إذاعة بعض تلك الأفلام كاملة انتهاكاً للكرامة الإنسانية نفسها، وتهديداً للصحة النفسية لأفراد من الجمهور، خصوصاً الأطفال والشيوخ، وتهديداً للروح المعنوية لبعض المنخرطين في سلك الخدمة النظامية والعسكرية.

واستناداً إلى ذلك، فإن إذاعة مقاطع معينة من هذه الأفلام ضرورة، بعد حجب المناظر الأكثر قسوة، والتي تنتهك كرامة الضحية ومشاعر ذويه، والتي يمكن أن تحقق الأثر المرجو من الأعمال الإرهابية على المصلحة العامة والروح المعنوية للجمهور.

* كاتب مصري