وتعقيباً على هذا الموضوع، حذّر نقاد أكاديميون كويتيون من خطورة الأعمال الأدبية المكتوبة باللهجة العامية لاسيما أنها فاقدة إلى أي ثيمة أدبية ولغتها متهاوية ومتخمة بـ «هذر كلامي»، مقترحين وضع مقاييس لدور النشر للحد من خطورة الكتابات الرديئة.

Ad

وشدد الأكاديمـــــي والناقــــد، د. سليمان الشطي، على ضرورة عدم وضع إبداعات الشباب ضمن سلة واحدة، لأن الإنتاج وفير ومتنوع، ما يفرض تفاوتا في المستوى، فالحكم العام لا ينسحب على كل الأعمال الأدبية، وفي الوقت ذاته ثمة اختلاف على النظرة النقدية لهذه الكتابات، إذ تجد فريقاً يتحمس للشباب، بينما على النقيض هناك فريق آخر يهاجمهم من دون الإحاطة بكل التفاصيل.

وقال الشطي لـ«الجريدة» إن الحركة الشبابية حققت إنجازاً كبيراً بجذبها الجمهور بمختلف شرائحه إلى القراءة، ويعد ذلك فضلاً يحسب لها، كما أن تصنيف الكتّاب إلى شيوخ وشباب لم نسمع به عبر تاريخ الأدب، حجم العطاء هو الذي يفرض نفسه، كما أن الأجيال تتعاقب، وكل جيل يشكل إضافة أو يغير مساراً، والزمن وحده يصفي هذا الإنتاج.

وبرؤية نقدية، ورغبة في تفحّص مضمون هذه الكتابات، انتقى الشطي مجموعة من الأعمال، وعقب تشريحها وجد أنها تحظى بالتقدير والاهتمام، نظراً لمضمونها، ويقسم هذه الكتابات إلى قسمين؛ الأول أطلق عليه «أعمال تمثل الطليعة»، بينما القسم الآخر «أعمال متسرعة وكتّابها لا يملكون الدراية الكافية بفن الكتابة، حالمين بالنشر السريع، بلا تركيز على ثيمة أدبية وبلغة متهاوية وإسراف في الكلام، فتضخمت الكتب».

وأبدى تعجبه مما يحدث من هذر كلامي، وكأنّ الكاتب لا يفرق بين العمل الأدبي وحديثه العابر في المجالس، وربما ما أوصلنا إلى هذا المستوى عدم اطلاع هذه الشريحة على روائع الأدب، وكذلك حداثة تجربتهم، إذ لم يمتلكوا أدوات تكميلهم الأدبي، ما دفعهم إلى الاتجاه الخاطئ.

ويحذّر الشطي من خطورة الكتابات المتسرعة، لأن أصحابها يحسنون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويبثون نشرات دعائية لأعمالهم وأعمال روائية ليست هي الأبرز من أعمال الشباب، لكن هو الترويج وحسب، فيتجه القارئ متتبعاً هذه الدعاية، وهنا تكمن الخطورة في توجيه القراء إلى أعمال خارج إطار الأدب المحكم.

خطورة وتجريم

أما د. عبدالعزيز سفر، فقال: لا يمكننا تجريم أي إبداع يحاكي البيئة الشعبية ويحتفظ بخصوية المكان، متذرعين بأن هذه النوعية من الأعمال مكتوبة باللهجة العامية، وهذا إجحاف بحق كتابها ومريديها.

ويرفض سفر استخدام اللهجة العامية في الأبحاث العلمية الدقيقة الهادفة إلى ارتقاء علوم اللغة في النحو والصوتيات، معتبراً ذلك خطراً كبيراً على اللغة العربية يعيه كثير من الأكاديميين.

اتهامات قاسية

بدوره، شدد الكاتب محمد السعيد على أن الكل مسموح له الكتابة، بل ومأمور باستقطاب الشباب، وذلك بتوجيهات عليا في العالم أجمع، فلماذا نهاجمهم؟ فلندعهم يعبّرون عن مشاعرهم، أليست الكتابة أو العمل الفني هو التعبير الحسي عن مفهوم العدالة المجرد، سواء كانت مفردات هذا العمل فصيحة أو عامية؟

وتابع:» فليواصل الكتاب «المتهمون» مشوارهم، ولتكن العدالة نبراسهم، لأن مكونات الساحة الأدبية تفتقر إلى مفهوم العدالة، فمن الظلم القسوة على هؤلاء الشباب».

من جهته، قال الناقد فهد الهندال إن زيادة هذا العدد من الإصدارات الشبابية عائد إلى أننا اليوم في ذروة الثورة المعلوماتية، ولاسيما في تنوع وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت الفرص أمام الشباب ليعبّروا عن وجهات نظرهم وتطلعاتهم نحو الانتشار، ومن هنا فتحت لهم الآفاق للنشر الإلكتروني عبر كتابات مختلفة المستوى من فرد لآخر.

واستطرد الهندال في الحديث عن بروز تنامي أعداد الكتاب الشباب خلال الفترة القليلة الماضية، مشدداً على أن هناك من طوّر مستوى كتابته بالقراءة والارتقاء بمدارك المعرفة لديه، وهناك لايزال يتلمس طريقه ببطء، أو غلبت عليه فكرة الشهرة العاجلة قبل التأني في النشر، من دون أن أنسى مسؤولية بعض دور النشر في هذا الاستعجال، دون وجود لجان قراءة مختصة لفحص الأعمال إن كانت مهيأة للنشر أم لا.

 وأضاف: يكون السبب التجاري البحت هو الدافع هنا. وهو ما يسهم سلبيا بانحسار رقعة الكتابة الناضجة الجادة، وتفشي ظاهرة الكتابة المراهقة دون إلمام بأبسط قواعد الكتابة أو أساليب النشر الصالحة.

وفي ما يتعلق بتقييم مستوى الأعمال الشبابية، قال الهندال: «هناك منها ما يبشر بالخير لأسماء مجتهدة في القراءة ومتابعة جيدة لآخر الإبداعات العالمية والعربية، وهو ما وجدناه في وعيهم الكتابي وحسهم الإبداعي الناشئ، آملا أن يستمروا في طريق التطوير أولا، والتجريب لاحقا بعيدا عن التقليدية والتأثر بآداب من سبقهم.

 أما اللهجة العامية، فيفترض أنه تأتي موظفة في سياق العمل كجزء منه، وليس على حسابه كله، فالروائي نجيب محفوظ انطلق إلى العالمية عبر «العامية»، ولكن الموظفة بصورة مقننة وليس موسعة. هناك أدب شعبي مختص في الشعر غالبا، ولكن السرد بالعامية بالمطلق على حساب الفصحى دليل على عجز الكتاب المصرين عليها في فهم أدوات الكتابة الأدبية.

معايير دور النشر

وفي السياق ذاته، تلومالكاتبة باسمة العنزي دور النشر التي قبلت بطباعة وترويج الاعمال الرديئة بغرض الكسب المادي، وربما هو شأن يخصها، لكن كل المؤسسات التجارية تسعى للربح وفق شروط تتضمن الحد الأدنى من المعايير، موجهة سؤالاً إلى دور النشر الصادرة عنها هذه النوعية من الأعمال: هل هناك شخص مختص يقرأ الكتاب كاملا قبل طباعته؟ هل يوجد مصحح لغوي تمرّ عليه الكتب؟، هل هناك شروط واضحة أو لائحة مكتوبة أو معايير معيّنة تستند عليها الدار قبل توقيع عقد النشر؟، هل مهمتكم فقط طباعة الكتب وتسويقها؟