يريدون بقاء «داعش»!
الواضح أنَّ هناك خطة يجري تنفيذها تدريجياً، خطوة بعد خطوة، لتقسيم العراق ليصبح ثلاث دويلات، واحدة شيعية، وثانية سنية، وثالثة كردية، وإلا فما معنى كل هذا الإصرار على إقحام "الحشد الشعبي"، المنتفخة بعض فصائله بالحقد الطائفي الأسود في معارك تكريت ضد "داعش"، لترتكب مجازر همجية ضد العرب السُّنة وتحرق وتنهب على غرار ما كانت فعلته في ديالى ومناطق أخرى؟ وما ضرورة الإصرار، يا ترى، على إظهار جنرال التمدد الإيراني قاسم سليماني في مشهد تحرير تكريت من تنظيم "داعش" الإرهابي؟ ألا يعني هذا أنَّ هناك، رغم توجهات رئيس الوزراء حيدر العبادي الصادقة والمخلصة والحريصة على وحدة العراق ووحدة شعبه، مَن ينفذ مؤامرة كانت قد بدأت في عام 2003 واستمرت مع نوري المالكي، الذي يبدو أنَّ نفوذه لم ينته بعد، وأنه لا يزال المؤثر الرئيسي في السياسات العراقية الأساسية، ولكن من خلف الستار؟!
الكل سمع وشاهد الأخضر الإبراهيمي، هذا الدبلوماسي المبدع والعروبي الكبير والمناضل الشجاع في ثورة المليون ونصف المليون الجزائرية العظيمة، وهو يقول لفضائية "العربية" في إطار حديث حول مهمته الدولية في العراق، بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003: "إن بعض المسؤولين العراقيين، بتوجيه من إيران، قد طلبوا من الأمم المتحدة ألا تبعث لهم مندوباً من قبلها لا عربياً ولا مسلماً سنياً"... وفي الحقيقة هذا التوجه هو الذي بقي يهيمن على هذا البلد العربي، وهو الذي وفرَّ لـ"داعش" البيئة التي يريدها والتي نما وترعرع فيها. كانت "المعادلة" التي اتفق المندوب الأميركي بول بريمر عليها مع العائدين من الخارج، من إيران تحديداً، التي لا تزال مستمرة ولا يزال العراق يُحكَم بها، هي أنَّ العرب السُّنة هم المهزومون، وأنهم صدام حسين ونظامه وحزبه، وأنه لابد من تهميشهم وتشريدهم وإخراجهم من الحياة السياسية العراقية نهائياً، وهذا هو ما حصل، ولا يزال يحصل حتى الآن، ويبدو أنه سيبقى مستمراً إلى أن يتم تمزيق هذا البلد وشرذمته وتقسيمه. لا يمكن التشكيك في رئيس الوزراء حيدر العبادي ولا في نواياه ولا في إخلاصه وحرصه على العراق وعلى تمتين علاقاته بأمته العربية، لكن المشكلة تكمن في أن القرارات المهمة والحاسمة ليست في يده، بل في يد قاسم سليماني ووكيله نوري المالكي، ولذلك فإننا رأينا كيف تم إقْحام ميليشيات "الحشد الشعبي" في معركة "تكريت" لترتكب كل هذه الجرائم البربرية التي ارتكبتها!ماذا يعني هذا...؟ إنه يعني دفع العرب السُّنة دفعاً إلى الاحتماء بتنظيم "داعش"، وإجبار أهل الموصل على التمسك بهذه المجموعات الإرهابية والاحتماء بها، ودفع العراق إلى التقسيم في النهاية، كما يعني أيضاً أن الذي يحكم هذا البلد العربي الآن هو إيران، وأن إيران هي التي "خلقت" هذا التنظيم الإرهابي من أجل هذه الغاية وهذه المهمة.