تشمل الأوجه الأكثر أهمية لاحتفالات يوم النصر في التاسع من مايو في موسكو، في الذكرى السبعين للهزيمة التي أنزلها السوفيات بألمانيا النازية، مدى تشديد الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني كسي جينبيغ على الروابط التاريخية وغيرها بين بلديهما. صحيح أن المسؤولين الروس والصينيين ما عادوا ينادون بالتضامن العقائدي القائم على العقيدة الماركسية-اللينينية المشتركة، إلا أن تصريحاتهم تعكس تناغماً مذهلاً في الأفكار والتعابير، أما من الناحية العملية فيتشابه نظاماهما السياسيين إلى حد كبير، مظهرين نقاط ضعف مشتركة.

Ad

شارك الرؤساء الصينيون في عرض يوم النصر في عامَي 2005 و2010، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يشارك فيها أعضاء من حرس الشرف العسكري الصيني في العرض، كذلك كان حضور كسي أكثر بروزاً، بما أن كل القادة الغربيين تقريباً قاطعوا الاحتفال هذه السنة للاحتجاج على تدخل موسكو في الحرب الأهلية الأوكرانية، وفي ظل غياب وجود قيادي غربي كبير، شدد القادة الصينيون والروس ووسائل إعلامهم على رواية الشراكة بين البلدين في آسيا خلال الحرب، ففي مقال نُشر في الصحيفة التابعة للحكومة Russian Gazette، أثنى كسي على ما وصفه بالتعاون الروسي-الصيني العسكري في "حرب القضاء على الفاشية" ضد ألمانيا واليابان، وعندما كان في موسكو، منح كسي أيضاً الميداليات لعدد من قدامى المحاربين السوفيات شاركوا في الحرب ضد اليابان.

تُظهر الوقائع أن بعض الشيوعيين الصينيين البارزين، بمن فيهم ابن ماو تسي تونغ، حاربوا كمتطوعين في الجيش السوفياتي، ولكن خلال عهد جوزف ستالين، الذي استخف بالصين وعامل الحزب الشيوعي الصيني كأداة خاضعة من أدوات السياسة الخارجية السوفياتية، ظل الاتحاد السوفياتي يقاوم الانضمام إلى حرب الحلفاء ضد اليابان حتى بضعة أيام قبل استسلام طوكيو، ثم استغل جيش ستالين الأحمر الإنهاك العسكري الياباني للاستيلاء، ومن ثم نهب أجزاء كبيرة من شمال شرق الصين، فضلاً عن كوريا الشمالية وجزر كوريل اليابانية، واضطر ماو إلى النضال لأشهر كي يضمن انسحاب الجيش السوفياتي، إلا أن روسيا ظلت مسيطرة على جزر كوريل رغم الاحتجاجات اليابانية.

تغاضت وسائل الإعلام الروسية والصينية عن هذه الحقائق غير الملائمة في رسائلها الحالية. على سبيل المثال، وصفت الصحيفة اليومية التابعة للحكومة الصينية Global Times بأن هدف وجود كسي في احتفالات موسكو تقديم "الدعم الروحي" لبوتين في وجه مقاطعة القيادة الغربية، كذلك نشرت وسيلة إعلامية أخرى تابعة للحكومة الصينية شريط فيديو قبل بضعة أيام من رحلة كسي ظهر فيه مواطنون صينيون يُفترض أنهم عاديون وهم يغدقون المديح على روسيا، فضلاً عن تعبيرهم عن إعجابهم بكسي وبوتين كقائدين قويين.

قد يكون هذا الإعجاب المتبادل حقيقياً، بين قائدي البلدين على الأقل، فقد التقى بوتين كسي نحو 12 مرة في القمم الثنائية وعلى هامش المؤتمرات والأحداث المتعددة الجنسيات، منذ أن اختار كسي روسيا لتكون وجهة زيارته الخارجية الأولى بعد ثمانية أيام فقط من تبوئه سدة الرئاسة في مارس عام 2013. تستغل التصريحات الرسمية عادةً هذه المناسبات لتصف الروابط الثنائية بأنها "أفضل من أي وقت مضى"، وقد رحب القادة الروس علانية بثقل الصين الاقتصادي، والدبلوماسي، والعسكري المتنامي في العالم، معتبرين إياه تطوراً لا مفر منه يحمل للروس فوائد كثيرة في مطلق الأحوال.

 كذلك وصف القادة الصينيون هدفهم من العلاقات مع روسيا، متحدثين عن إنشاء نوع جديد من علاقات القوى العظمى بالاستناد إلى "عدم-الصراع، وعدم-المواجهة، والاحترام المتبادل، والتنمية المشتركة من خلال التعاون الذي يكون فيه الجميع فائزين". وبغض النظر عن مشاعرهم الشخصية، يحرص القادة الصينيون على الإعراب عن احترام علني لروسيا وإنجازات بوتين، في حين تشدد وسائل الإعلام الصينية على إقرار كسي بتاريخ روسيا وثقافتها وإعجابه بهما.

تعتبر الحكومتان الروسية والصينية أيضاً أن شراكتهما خلال الحرب العالمية الثانية وراهناً تساعدهما في تفادي المزيد من الاعتداءات العسكرية، في إشارة ضمنية إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مثل اليابان، لكن هاتين الحكومتين تبدوان اليوم القوتين التحريفيتين الأكثر نفوذاً اللتين تسعيان إلى تبديل النظام الاقتصادي والسياسي الأميركي التصميم الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، فهما تعتبران أن هذا النظام لا يعترف بشكل ملائم بمكانتهما الحالية ولا يضمن أمنهما ومصالحهما الوطنية الأخرى.

بالإشارة إلى القانون الدولي، يدعو المسؤولون الروس والصينيون بانتظام اللاعبين إلى احترام تفسيرات صارمة وقوية للسيادة الدولية، والحقوق المتساوية، والديمقراطية في العلاقات الدولية بين الدول، فضلاً عن عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية. كذلك يطالبون كل اللاعبين بتبدية وحدة أراضي الدولة على الانفصالية الإثنية والدينية (مع أن سلوك روسيا في أوكرانيا لا يتلاءم مع هذا المبدأ، مما سبب الانزعاج للصين) والقبول بتفوق مجلس الأمن في الأمم المتحدة، حيث تتمتع بكين وموسكو بحق النقض، في جهود إدارة الأزمات العالمية.

خلال عهد كسي، صارت تصريحات الحكومة الصينية تشبه أكثر الخطاب المناهض للغرب الذي تبنته موسكو منذ عام 2007 تقريباً، كذلك ردد كسي أفكار بوتين بتأكيده: "يجب ألا يسعى أي بلد وراء أمنه الكامل على حساب الآخرين".

ازداد النظامان السياسيان الروسي والصيني تشابهاً، على ما يبدو، في ظل إدارتيهما الحاليتين، فقد قمع بوتين بسرعة التعددية السياسية والاقتصادية المحدودة التي نشأت خلال عهد سلفه بوريس يلتسن، في حين أنهى كسي بفاعلية في الصين القيادة الجماعية في الكثير من القرارات الأمنية الوطنية المهمة، وأعرب عن قوة سياسية وصورة عامة رأيناهما مع قادة صينيين أقوياء سابقين أمثال ماو ودينغ شياو بينغ.

لكن كل هذا يعني أيضاً أن هاتين الحكومتين تتشاركان في نقاط ضعف ومواضع نقص تُعتبر شائعة بين الأنظمة المستبدة، فقد عانى كل منهما تردد المسؤولين الأدنى مستوى في أخذ المبادرة مثلاً، بالإضافة إلى ذلك ألغت سياساتهما المحلية المستبدة وسياساتهما الخارجية المتشددة أي جهود للترويج لصورة دولية أكثر جاذبية، فتُظهر استطلاعات الرأي أن كلا البلدين يحظى بمعدلات شعبية عالمية أدنى، مقارنة بالولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

علاوة على ذلك، يُعتبر هذان النظامان السياسيان الشخصيان الخاضعان لسيطرة قائد واحد مهيمن سريعي التأثر بأي حالة طارئة قد تسبب عجز هذا القائد أو إزالته، ويصبحان أكثر عرضة للأزمات عندما يتقاعد الزعيم ويترك الساحة السياسية، مع أن الصين تمتعت بسجل أفضل خلال السنوات الأخيرة، محققة انتقالاً مستمراً وتجدداً دورياً لنخبتها السياسية مرة كل عقد على الأقل.

يزداد القادة الروس والصينيون تقارباً في روايتهم العلنية وسياساتهم المحلية بسبب مصالحهم المشتركة الحقيقية، فضلاً عن تلاعب إعلامي مصطنع، لكن تعاونهما في مجال السياسة الخارجية لا يزال متأخراً، فحتى الصفقات الاقتصادية والدفاعية التي أُعلن عنها أخيراً في موسكو تملك نطاقاً وتطبيقات محدودة. في الوقت عينه، بدأ نظاماهما السياسيان يتشبهان أيضاً، مما يؤدي إلى نقاط ضعف عميقة ستتحول إلى حدود طبيعية لمغامراتهما في السياسة الخارجية.