يتألف كتاب «أوضــاع التـربيــة وشــروطها» من إسهامات عدّة جرى استخلاصها في إطار حلقة دراسة علمية، دارت أعمالها ما بين العامين 2006 و2008. يعرض المؤلفون الظروف التي تُحيط بعملية التربية والتعليم، التي يُعاد النظر فيها في مجتمعاتنا، ويطرحون الصعوبات والعقبات التي تواجه عملية التربية والتعليم، وضرورة التنبّه إلى مهمّة إعادة التأسيس وأبعادها، مؤكّدين أن ذلك لا يعني تحوّل التربية إلى مهمة مستحيلة، وإنما ضرورة معاودة بناء الأسس والقواعد التي تتيح ممارستها بالتفكير الجماعي والإرادة الجماعية، بعدما تحطّمت المعطيات كلّها التي كانت تبدو الأساس المتين والبديهي للمؤسّسة التعليمية، لا بل شهدنا انهيارها التام.

Ad

يركّز المؤلفون في الكتاب على استحالة تصوّر العودة إلى الماضي التعليمي، أو الرغبة في تلك العودة، ويصفون أثر سلسلة من التحوّلات الكبرى، وحجم التحدّيات التي تنطوي عليه، إذ على هذا المستوى وحده، يمكن لنا أن نُدرِك حق الإدراك مدى الصعوبات التي تواجهها عملية التربية والتعليم، وأن نتّخذ الإجراءات اللازمة لإعادة بناء عملية التربية والتعليم التي تنتظر الإنجاز.

تتوزّع موضوعات الكتاب على أربعة محاور رئيسة: يتركّز المحور الأول على الدور التقليدي للأسرة كونها أصل الرباط الاجتماعي ودعامته، ودورها في تعليم الحرية ودخول الفرد إلى الثقافة. ويدور المحور الثاني حول المعارف الخالية من المعنى، إذ يعتقد الباحثون أن المسألة في قضية فقدان المعنى هذه، هي أزمة فكرة التربية نفسها، إذ لا تزال مسألة المعنى منذ عقدين أحد أقوى وأشدّ عوامل تطوّر المسألة المدرسية، عبر ما أثارته من بلبلة وارتباك حول ما يناسب التعليم وطريقة التلقين، ومحاولة جعل المعارف أكثر جاذبية، وتقديمها أقرب إلى الرشد والحصافة، خصوصاً وأن المعارف المعروضة على التلامذة في عدد من الميادين وفي مختلف مستويات نظام التعليم، باتت منفّرة، لأنها مجرّدة من المعنى في نظرهم، ولا يرون إلى وجود أسباب تحملهم على الاهتمام بها.

المعنى في المواد

كذلك يطرح المحور نفسه مسألة المعنى في مواد التعليم الأدبي، إذ إن تعليم اللغة والأداب، هو أحد أقلّ ميادين التعليم استثارة للرغبة في التعلّم والاكتشاف لدى الطلاب، وذلك بحسب تحقيق أُجري مؤخراً. ويرى الباحثون أن ثمة خمسة عوامل مسؤولة عن ضياع المعنى في تعليم اللغة والأدب، أولّها عامل داخلي من صميم التعليم، وعامل خارجي متمثّل في الصورة الاجتماعية للأدب، وثالث يتعلّق بالوظيفة غير الرسمية التي كان يشغلها الأدب، وكانت تؤمّن له وضعاً متيناً، وعامل رابع يرتبط أيضاً بوظيفة الأدب التي كانت مرتكزة على إنتاج المُثل وإخراج ومسرحة الإنسانية والفرد، والعامل الأقوى وهو الانصراف عن الميدان الأدبي، إذ يبدو الأدب مع تطلّباته، كعالم اصطناعي ليس له أدنى صلة باكتساب الثقة في التعبير عن الذات، وهو التعبير الذي يفترض أن يكون الهدف الأول للتربية.

أما المحور الثالث فيناقش جدلية نهاية السلطة أم تحوّلها، وانتقاداتها ودواعيها وأسبابها ووظائفها. فيما يطرح المحور الرابع موضوع التربية من دون مجتمع، والمقصود بها تجربة الطفل، أي الحياة اليومية والمدرسية، والبرنامج الزمني للأنشطة الملموسة، والتحفيزات الحسّية والجمالية وغيرها.

ويرى المؤلفون أن الشروط التي تسمح بقيام عملية التربية والتعليم، أصبحت اليوم موضع مساءلة ومراجعة، وخصوصاً بعد أن تزعزعت جملة من المعطيات التي كانت تبدو بديهية، وكانت تشكّل الأساس في العملية التربوية والتعليمية، حتى إن تلك المعطيات تكاد تندثر وتتلاشى. وليست المسألة هنا مسألة أسف على ماضٍ مضى وانقضى ولا سبيل للعودة إليه، ولا حتى ثمة مَن يتمنى العودة إليه أصلاً. بل إنّ المسألة كلّها هي في إيضاح المفاعيل التي أحدثتها التحوّلات العميقة في مجتمعاتنا، وتبيان التحدّيات التي تطرحها الاستجابة لهذه التحوّلات على عملية التربية والتعليم.