صباح يوم الأربعاء الموافق 3 ديسمبر الجاري، نشرت إحدى الصحف الكويتية، على صفحتها الأخيرة خبراً صغيراً، تحت خبر الوفيات، مفاده أن "الإدارة العامة للتحقيقات" اصدرت أمراً بضبط وإحضار روائيين كويتيين شابين، على اثر شكوى تقدم بها محام كويتي، متهماً إياهما بكتابة جمل وعبارات مخلة بالآداب، ودخيلة على المجتمع الكويتي، في عدد من الروايات التي عُرضت في معرض الكويت للكتاب الأخير.

Ad

استوقفني وآلمني الخبر كثيراً، وتخيّلت الصورة القاتمة التي سيتم بها اقتياد شاب في بداية حياته الأدبية إلى النيابة والتحقيق، لا لشيء إلا لأنه كتب رواية، وأنه سيقف إلى جانب أي مجرم مخدرات أو قاتل!

مؤكد أن معرض الكويت للكتاب، كما جميع معارض الكتب حول العالم، حوى الغث والسمين، وكان هناك روايات مبدعة تستحق الفخر والاعتزاز، وروايات لا ترقى لأن تحمل اسم رواية، ولا تستحق الطبع بكتاب. وأن عدداً من الأدباء والمثقفين، وأنا من بينهم، لم نكن إلى جانب هذه الإصدارات. لكن، الصحيح أيضا أن الكتابة حرية وفكر، وأن الوقوف بوجه أي فكر يكون بالفكر وليس بالنيابة والضبط والإحضار!

لقد صار يُنظر إلى الكتابة الإبداعية في العالم المتحضر بوصفها علمٌ يخضع لأصول واشتراطات دراسية كما أي مادة علمية. وصارت تُدرّس في الجامعات وفق منهج ورش الكتابة الإبداعية، وبالتالي فإن افتقاد أي رواية أو مجموعة قصصية لأصول الكتابة الإبداعية وشروطها يعدُّ خللاً كبيراً لا يجب السكوت عليه. ومؤكد أن الناشر مسؤول، بشكل أو بآخر، تجاه ما ينشر، والناشر الكويتي الذي غدا مقصداً للكتّاب الشباب، يتحمل اليوم مسؤولية تاريخية تجاه الكاتب الشاب، مما يستلزم معه، ضرورة وجود لجنة قراءة، تكون بمنزلة الكلمة الفصل، تعمل على رعاية واحتضان الصوت الشاب المبدع المبشر بموهبته، وتتوجّه بالنصح والارشاد للكاتب المتعثر.

ظاهرة كثرة الكتّاب الشباب ظاهرة مبشّرة ومفرحة للقلب، وظاهرة جمهور القراءة الشاب المتواصل مع هؤلاء الكتّاب الشباب هي أيضا ممارسة ثقافية مفرحة. لكن، على كل مخلص لحرية الفكر والإبداع أن يضع هاتين الظاهرتين على مسار الطريق الصحيح. عدد كبير يشترك في هذه المهمة الثقيلة: المبدع المخضرم الذي قدم للساحة الإبداعية نتاجاً إبداعياً لافتاً، والناشر، والناقد، ومسؤول الصفحة الثقافية في أي جريدة أو مجلة، وأخيراً المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، ومؤكد أن "الإدارة العامة للتحقيقات" و"الضبط والاحضار" ليس من بين هذه الجهات.

منذ بدأت الكتابة في منتصف السبعينيات في  القرن الماضي وأنا مؤمن تماماً بوظيفة الأدب الاجتماعية، وأن الأدب الحق هو ذاك الذي يسلّط ضوءاً كاشفاً وفاضحاً على البؤر المظلمة في المجتمع، بعيداً عن الإسفاف والانحطاط. وذاك الذي يعرّي الممارسات اللاإنسانية واللاعادلة، وذاك الذي يتخذ من فضح هذه الممارسات أسلوباً للتشهير بها، وتنبيه المجتمع لأخطارها، وإدانتها، وبما يجعل من الأديب قلباً مُحباً ومخلصاً للوطن وأهله، ويجعل من الأدب أداة فنية جميلة هدفها الأسمى الوصول إلى مجتمع ينعم بالحرية والعدل والمحبة والأخلاق الرفيعة.

الحديث عن الرقابة في وقتنا الحاضر ما عاد يمت بصلة إلى الحاضر، ففي زمان الفضاء المفتوح، وثورة المعلومات، وشبكات التواصل الاجتماعي، ومواقع بيع الكتب الإلكترونية، تبدو عملية منع أي كتاب شيئاً أقرب إلى التندر، ومع هذا فإن إدارة الرقابة في وزارة الإعلام، تراقب جميع الكتب التي تُعرض في معرض الكويت، وقامت هذا العام بمنع العديد من الكتب، وبالتالي فلا أظن أن كتاباً عُرض في معرض الكويت للكتاب، ومرَّ من تحت يد الرقيب سيكون داعياً ومحضراً على الرذيلة. بما يستوجب الشكوى على صاحبه، وصدور أمر بضبطه، فليس من ضبط يلجم الحرية.