أي تعديل في اتجاه عدم المساواة بين الخاضعين للقانون سيفتح الباب لعدد هائل من الدعاوى القضائية ضد الهيئة العامة للاستثمار ووزارة المالية، وهي منازعات ستدور في مجملها حول طلب تحقيق المساواة.
عادت إلى الواجهة مجددا التحركات الهادفة إلى تعديل القانون رقم 41 لسنة 1993 الخاص بـ"المديونيات الصعبة"، بعد أن أقرت اللجنة التشريعية في مجلس الأمة أمس الأول مجموعة من التعديلات، بما يعفي المتأخرين من سداد غرامات التأخير، ويسمح بالخروج من وضع الإفلاس بسداد 50 في المئة من اجمالي المديونية.وكانت هناك محاولات سابقة لإجراء تعديلات على هذا القانون من خلال اقتراحات وتصريحات ومطالبات نيابية، ثم اقرتها اللجنة التشريعية في مجلس الأمة 2012 (المبطل الثاني) بما يسقط الغرامات والفوائد، وعادت اللجنة التشريعية مجددا لتسقط الغرامات مع وضع ضوابط اسهل للخروج من الافلاس... ولعل تعديل قانون المديونيات يحتاج لتوضيح بعض النقاط، أبرزها:- مع وجود تحفظات عن صدور القانون في وقته إلا انه بات اليوم يمثل وضعا قانونيا مستقرا تم التعامل معه منذ 22 عاما، وترتبت عليه التزامات وقواعد وممارسات، في حين ان التعديلات المقترحة تهدمها كلها، فضلاً عن أنها تكافئ غير الملتزمين بالسداد بإعفائهم من الغرامات، وهذه ميزة للمخالف والمتقاعس مقابل مَن سددوا مديونياتهم وفقا للقانون، وذلك رغم وحدة المراكز القانونية في الحالتين، بما كان يستوجب تطبيق ذات النص القانوني عليهما من دون تمييز بين حالة وأخرى.مغالطات كثيرة- احتوت المذكرة الإيضاحية للقانون على درجة عالية من المغالطات، منها "انه يستوجب مساعدة الدائن المتعثر المفلس والتيسير عليه في حال وفائه بالديون"، وهذه تعطي ايحاء بأن البعض قد سدد ما عليه من مستحقات، في حين ان هؤلاء لم يستطع معظمهم تلبية 45 في المئة من اجمالي المديونية، كذلك تحدث مقرر اللجنة التشريعية عبدالحميد دشتي عن "رعاية المعسرين والرفق بهم وتفادي إشهار افلاسهم ودعم الاقتصاد الوطني الذي يتجه إلى مد يد العون للمشاريع المتعثرة"، وهنا ايضا مغالطات تظلم من التزم بالسداد وخلط غير مفهوم ما بين المتعثرين بالمديونيات الصعبة والتعثر في المشاريع، فضلاً عن طرح مفاهيم لا تليق بتعاملات الدولة مع الاخرين كالرعاية والرفق او ما شابه.- كذلك تحدثت المذكرة الإيضاحية للتعديلات عن المخالفة الشرعية للفوائد الربوية! وهو امر مستغرب لأن من قبل هذا النوع من الفوائد عليه ان يقبل نتائجه وفقا لقواعد التعاقد مع الدولة، لا ان "يستحرمها" وفقا لمصالحه وأهوائه.- هناك محاولة في التعديلات للمساواة بين الصلح القضائي والصلح الواقي من الإفلاس، مع ان لكل منهما آلياته وقواعده المنظمة، كما تعطي مَن تهربوا من الصلح القضائي المنصوص عليه بالقانون ميزة عدم دفع غرامات التأخير ومصاريف الإدارة الى جانب استفادتهم من نظام الشرائح المنصوص عليها في القانون للسداد.- لا شك ان اي تعديل في اتجاه عدم المساواة بين الخاضعين للقانون سيفتح الباب لعدد هائل من الدعاوى القضائية ضد الهيئة العامة للاستثمار ووزارة المالية، وهي منازعات ستدور في مجملها حول طلب تحقيق المساواة بين من سبق تطبيق القانون رقم 41 لسنة 1993 عليهم قبل العمل بهذا التعديل إن تم تشريعه، وبين من ستطبق عليهم التعديلات التي سيأتي بها ذلك التعديل حال إقراره، ولا يمكن تقدير التعويضات التي يمكن ان تترتب ضد الدولة فيها.- تغاضت التعديلات المقترحة عن مسألة الديون الأخرى الثابتة في حق المفلس، إلى جانب دين الدولة، ولم يحدد مصير مديونيات الدائنين الآخرين بالتفليسة إلى جانب الدولة، وهنا ندخل في اشكالية اكبر ناتجة عن تعديل القانون دون البت في التأثيرات اللاحقة.دمج اقتراحات- التعديل كان دمجا لمجموعة اقتراحات نيابية لم يحتو أي منها على رقم يشير الى الكلفة المتوقعة من اقرار قانون كهذا، بل غلب عليه النص الانشائي، حتى ان المذكرة الايضاحية لم تتطرق الى الكلفة، مع ان كلفة التعديل والاضرار المتوقعة على الدولة تعتبر ركنا جوهريا في الموافقة على القانون او معارضته.- اذا أقرت التعديلات التي تخدم عدداً قليلاً جدا من الاشخاص فسيكون موقف الداعين إلى اصلاح الاقتصاد والميزانية محرجا للغاية، فلن يكون سهلا تسويق اعادة تسعير الخدمات والسلع على الناس في ظل اعفاء عدد قليل من مئات الملايين المستحقة للدولة، وسيكون هذا التساهل مدخلا لشركات متعثرة في البورصة وخارجها للمطالبة بصيغة تسوية انطلاقا من المبدأ ذاته، فضلا عن ان الحديث عن انخفاض سعر النفط والمخاطر المترتبة عليه سيكون حديثا لا قيمة له ولن يصدقه احد لان هناك من سيعود بحجة اقوى لتسويق اسقاط الفوائد او القروض او اعطاء زيادات وكوادر بدعوى انها تمس شريحة اكبر من الناس متوسطي ومحدودي الدخل.- يحاول مقدمو التعديلات الايحاء للناس بانها لا تستهدف اكثر من اخراج المفلس المسدد لالتزاماته الكاملة من دائرة الافلاس، وهنا تأتي المغالطات، لان في الامر اختلالاً بين من سدد ومن لم يسدد، وإعفاء من غرامات مستحقة للدولة، إلى جانب أنها تعديلات اعدت خاصة لمجموعة قليلة من الناس.حتى الآن يبقى الاقتراح نيابياً داخل اللجان، وهو امر لا يمكن السيطرة عليه لمصالح واعتبارات متنوعة، لذلك فعين الرقابة تتجه الى الحكومة التي قدمت في وقت سابق رؤيتها المعارضة لتعديل القانون من خلال فريق وزارة المالية والهيئة العامة للاستثمار، وعلى الحكومة ان تنتصر لرأي فريقها الفني، وأن تتعاطى مع الموضوع وفقا للارقام والمبادئ المتعلقة بالعدالة والمساواة لا الرضوخ للضغط النيابي، اذ ان استمرار تجاوز الرأي الفني لمصلحة الحسابات السياسية امر يزيد من اهتراء مؤسسات الدولة، ويعطي المجال لغير المختص في التحكم بالقرار وهذا فيه مفسدة كبيرة واختلال عظيم.
آخر الأخبار
تقرير اقتصادي تعديل «المديونيات»... مغالطات وهدم سياسي للاقتصاد!
05-03-2015