تسوية بين واشنطن وطهران لأمن «العراق السني»
سيظل اجتماع الحكومة العراقية المنعقد الثلاثاء الماضي، عالقا في ذاكرة المحللين زمنا طويلا، لأنه اول قبول رسمي من رئيس الوزراء الشيعي حيدر العبادي، بتسليم القوى السنية مقاليد امنها، وهو مطلب ظل سلفه نوري المالكي يرفضه بشدة.وأقر اجتماع الحكومة قانونين سيرسلان للبرلمان، الاول قانون الحرس الوطني وهو تشكيل عسكري جديد يفترض ان يتولى الامن داخل مدن العراق الى جوار الشرطة، لكي يتفرغ الجيش للامن خارج المدن، وقد استمد مبرراته من انهيار الجيش، ومن رأي تمسكت به الاحزاب السنية في تفسير سقوط محافظاتها يونيو الماضي، اذ حملت مسؤولية ذلك للمؤسسة العسكرية التي لم تحسن التعامل مع الحساسيات الطائفية في تلك المناطق، ما انتج فجوة بين الاهالي والنظام السياسي استثمرها تنظيم داعش.
لكن الجميع يدركون ان الحكاية اكبر من هذا، فهي تتأسس على تصور مفاده ان «داعش» نبهتنا الى امتلاك «العراق الكردي» للبيشمركة، و»العراق الشيعي» لميليشيات فاعلة، وقد نجح هذان الطرفان في حماية الاكراد والشيعة الى حد كبير، بينما انكشفت المناطق السنية التي لم يقم الجيش الاتحادي بحمايتها، ولم تكن تمتلك قوة منظمة سوى قبائل متناثرة ضعيفة التسليح، وهو ما وضع على طاولة الحكومة سيناريو «قوة دفاع ذاتي» تخص «العراق السني» وتعلن بوضوح ولادة هذا الكيان السياسي الى جوار عراقين اخرين شيعي وكردي، ما يحمل بغداد كمركز للنظام الفدرالي، مسؤولية جديدة للتكيف تشريعيا وتنفيذيا مع الواقع الجديد.لكن هذا التوصيف الذي لايزال وليدا وسينضج بنحو متسارع خلال العام الحالي، يمثل تهديدا للتصور الايراني حول النفوذ، فمعناه ان يكون لسنة العراق جيش من نحو ٥٠ الف مقاتل كعدد مبدئي قابل للزيادة في ظروف الحرب (الميليشيات الشيعية تقدر بنحو ٨٠ الفا)، وهذا العدد سيصنع حاجزا يمثل الطائفة السنية ويفصل بين محور طهران ــــ مشق، الشيعي العلوي، ولذلك تلكأ تمرير القانون لشهور، وسط شد وجذب بين مخاوف الايرانيين، ورغبة اميركا ببناء هذا التصور الامني الجديد لمعالجة الوضع الذي افرزه ظهور داعش.والتسوية التي تبدو ملامحها الاولية بين الجانبين، تتعلق برفض طلب سني بارتباط القوات بالحكومات المحلية السنية، والاصرار على ربطها بحكومة بغداد «بالتنسيق مع القوى السنية» وهو ما وافق عليه ساسة نينوى والانبار على مضض، على اساس ان الاولوية الان لتشكيل هذا الحرس، بتسليح اكثر من الشرطة واقل من الجيش، ثم يصار لاحقا لإعادة التفاوض بشأن مرجعيته الادارية، وهو خلاف لا يمنع المراقبين من اعتبار هذا القانون اخطر حدث سياسي بعد تسلم العبادي لمنصبه في «حكومة الاصلاحات».