العطلة الصيفية، في نظري كأغلب الأستراليين، تعني الذهاب إلى الشاطئ، حيث نشأت على السباحة واللعب بين الأمواج، ثم انتقلت إلى مزلجة الأمواج من الوضع مستلقياً، غير أنني لم أتعلم لسبب أو آخر كيف أركب الأمواج واقفاً.

Ad

وأخيراً عوضت هذا النقص عندما كنت في الخمسينيات من عمري، وهي سن أكبر من أن تسمح بإجادة هذه الرياضة، ولكنها لم تكن لتمنع منحي عشر سنوات من متعة ركوب الأمواج، وفي هذا الصيف عدت إلى أستراليا وبين الأمواج مرة أخرى.

على الشاطئ سمعت اليوم عن احتفال جرى هذا الموسم، حفل وداع لراكب أمواج محلي توفي في سن الشيخوخة، وقد جدف زملاؤه راكبو الأمواج قبالة شاطئ المحيط، وشكلوا دائرة جالسين على ألواحهم، في حين نُثِر رماد جثمانه على سطح المحيط، ووقف آخرون من أصدقائه وأفراد عائلته على الشاطئ وأعلى الجرف مكتفين بالمشاهدة، وقِيل لي إنه كان أحد أفضل راكبي الأمواج، ولكن في وقت لم تكن هذه الرياضة تدر مالاً.

سألت نفسي: تُرى هل كان من سوء حظه أنه وُلِد قبل الوقت الذي يتمكن فيه من المشاركة في دائرة ركوب الأمواج المربحة للمحترفين اليوم؟ أم كان من حسن حظه أنه مارس هذه الرياضة عندما كانت النجومية أقل أهمية من الاستمتاع بالأمواج؟

ليس هذا حديثاً صاخباً عاماً ضد تأثير المال المفسد، ذلك أن المال يفتح الفرص التي قد تكون إيجابية للغاية إذا أُحسِن استغلالها، فقد أنشأ راكبو الأمواج منظمات بيئية مثل مؤسسة سيرفدير التي تهتم بالمحيطات؛ ومنظمة سيرف ايد التي تحاول نشر بعض فوائد سياحة ركوب الأمواج التي قد تعود على أفقر السكان المحليين في البلدان النامية. ومع هذا فإن روح ركوب الأمواج في الأيام الخوالي تتناقض بشكل حاد مع صَخَب الدوائر المحترفة اليوم.

إن بعض الألعاب الرياضية تنافسية بطبيعتها، وقد يُعجَب مشجعو كرة المضرب (التنس) بضربة خلفية بارعة؛ ولكن مراقبة اللاعبين في فترة الإحماء سرعان ما تتحول إلى عمل ممل ومضجِر إذا لم تعقبها مباراة، ويصدق نفس القول على كرة القدم؛ فمن قد يذهب إلى الملعب لمشاهدة مجموعة من الناس يركلون الكرة من قدم إلى قدم حول الملعب إذا لم يكن في الأمر فوز وخسارة؟ إن اللاعبين في مثل هذه الألعاب الرياضية لا يمكنهم استعراض كل مهاراتهم من دون أن يكون أمامهم منافس.

ولكن رياضة الأمواج مختلفة، فهي تقدم الفرص لمواجهة التحديات التي تستلزم مجموعة متنوعة من المهارات، البدنية والذهنية؛ ولكن التحديات متأصلة في النشاط ذاته ولا تتضمن التغلب على خصم آخر، وفي هذا الصدد تصبح تلك الرياضة أقرب إلى رياضة المشي في البرية أو تسلق الجبال أو التزلج على الجليد، إذ تشكل التجربة الجمالية المتمثلة في التواجد في بيئة طبيعية جميلة جزءاً مهماً من جاذبية أي نشاط؛ وهي لا تخلو من الرضا والإشباع بفضل الشعور بالإنجاز؛ هذا فضلاً عن الممارسة البدنية القوية بعيداً عن رتابة الركض على طاحونة الدوس أو السباحة في بركة سباحة.

ويتطلب تحويل ركوب الأمواج إلى رياضة تنافسية ابتكار طرق لقياس الأداء، ويتلخص الحل في الحكم على بعض المهارات التي يستعرضها راكب الأمواج. ولا يوجد خطأ في تنافس راكبي الأمواج لتحديد من يستطيع أن يؤدي أصعب المناورات، تماماً كما لا يوجد خطأ في تحديد من يستطيع أن ينفذ أصعب قفزات الغطس من على منصة العشرة أمتار.

ولكن عندما نجعل ركوب الأمواج تنافسيا، فإن النشاط الترفيهي يتحول إلى رياضة يمكن مشاهدتها بالنسبة لأغلب الناس، على شاشات التلفزيون، وسوف يكون من المؤسف أن يتسبب تركيز الرياضة التنافسية الضيق على تسجيل النقاط في الحد من تقديرنا لما يمكننا تجربته من جمال وتناغم عندما نركب الأمواج.

ترتبط العديد من السمات البارزة في ركوبي للأمواج شخصياً بتجربة روعة وقوة الأمواج أكثر من ارتباطها بقدرتي على ركوبها، الواقع أنني في أكثر لحظات ركوب الأمواج سحراً لم أكن حتى على موجة على الإطلاق، فعند خليج بايرون، شرق أستراليا، كنت أجدف إلى حيث تتكسر الأمواج، وكانت الشمس مشرقة والبحر أزرق، وكنت واعياً لامتداد المحيط الهادئ لآلاف الأميال، دون أن تقطع المشهد أي قطعة من اليابسة حتى ساحل الصين.

اقتربت نبضة من الطاقة المتولدة عن هذه الرقعة الشاسعة من المياه من خط مغمور من الصخور، فارتفعت أمامي في هيئة أشبه بجدار أخضر مرتفع، وعندما بدأت الموجة تنكسر، قفز دولفين أمام الزَبَد، وظهر جسمه بالكامل خارج الماء. كانت لحظة سامية، ولكنها لم تكن غير معتادة، فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يلعب التنس أو كرة القدم، ولكنه ليس الوحيد الذي يستمتع بركوب الأمواج.

* بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري في جامعة ملبورن. ومن مؤلفاته "تحرير الحيوان"، و"أخلاق عملية"، و"عالَم واحد"، و "الحياة التي يمكنك إنقاذها".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».