11 سبتمبر «أيلول» جديدة!
صعق العالم بالحادث الإجرامي المشين في باريس، مجزرة «شارلي إيبدو» كانت كارثة بالمقاييس كافة، وفضيحة فكرية وثقافية للمجالين الإسلامي والعربي، وبرهان ذلك أن الفكر ذاته الذي فجّر بكل مكان في أميركا، أو في قطار لندن، أو تفجيرات باريس، أو الرياض، والدار البيضاء، يتكرر ذلك كله الآن، لكن بنسخة أعنف وأشرس، القاعدة كانت تضرب المكاتب بالطائرات، وتفجّر المباني، وتفتي بجواز نسف الشقق التي يسكنها المسيحيون أو «الكفرة» كما يقولون، وهذا ما جرى في أحداث الحمراء بالرياض عام 2003.مع داعش، ظهر ما يعرف بـ«الذئاب المنفردة»، وهم المجنّدون الذين لا يحتاجون إلى تفويض من القائد العام، ولا من القائد المباشر، الانتماء إلى داعش يتكوّن من بيعة للخليفة البغدادي المزعوم، ثم العمل على القتل وسفك الدماء وحزّ الرؤوس بدمٍ بارد. هناك نقلة في جينات الإرهاب جعلت الحالة «السبُعية» أكثر حدةً وشراسة وبطشاً.
الكارثة الأكبر، تحوّل هذا الحدث إلى ميدانٍ للتّشكيك والنّقاش حول وجود مؤامرة «مخابراتية» فرنسية، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول قبل أربعة عشر عاماً.في 11 سبتمبر «أيلول»٢٠٠١، كنت أدرس في الولايات المتحدة. وبعد تفجير برجي التجارة، والبنتاغون، وإسقاط طائرة في بنسلفينيا، في أحداث ما عرف بعد ذلك بـ 11/9 اجتمعت مع مجموعة من الأصدقاء السعوديين، وقضينا وقتاً طويلاً في محاولة لمعرفة الفاعل، وأثّر ذلك علينا.كنا نتمنى بصدق أن يكون الفاعل متطرفاً أميركياً، أو إحدى جماعات اليسار، رغم أن اليسار كان أوشك على الأفول حينها، أو الجيش الأحمر الياباني الذي تأسس على يد فوساكو شيغينوبو عام 1971، ولو أن نشاطاته توقفت مطلع الثمانينيات. كُنا منغمسين في التّفكير الرّغبوي، وهو تكوين الاعتقادات وبناء التحليلات على ما تتمنى، لا على الأدلّة والوقائع.كنا نخشى أن يكون مرتكب الجريمة عربياً أو مسلماً، فيدفع بنو جلدته وثقافته ثمن فعلته.وهذا ما حدث بالضبط. فقد تبنّى أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة العملية في فيديوهات ظهرت له. ومع ذلك بقي من بني جلدتنا من يُشكك في نسبة الجريمة إلى القاعدة!في أحداث باريس، التي شكلت 11 سبتمبر فرنسيّة، تكرّر مشهد النّفي، لكن بعد مرور عقدٍ ونيّف من السنوات، تمدّدت فيها القاعدة، وضربت بريطانيا وإسبانيا، وقبل ذلك السعودية والمغرب ودولاً عربية وإسلامية، ثم جاءت الثّورات العربية، وأفرزت الفوضى، بقصد أو دون قصد، ظهر تنظيم «داعش» وجبهة النصرة وجماعات متطرفة مارست أبشع أنواع القتل والتنكيل باسم الإسلام، مع شديد الأسف!عندما ندين إرهاب باريس وعرعر، فنحن في المقام الأول، نحاول الانتصار لثقافة ودين مختطف، يحاول هؤلاء الإرهابيون أن يظهروه بمظهر التّفجير، والتّفخيخ، وقطع الرؤوس، وجزّ الرقاب خلافاً لكون مقتضى العدل والإنصاف، يدفعنا إلى عدم نصرة الجاني على الضحية، ولو أخطأت الضحية!