{دار ابن لقمان}... شهدت أسر لويس التاسع وأصبحت مقبرةَ الحملات الصليبية

نشر في 12-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 12-11-2014 | 00:01
«ابن لقمان» أشهر دار ارتبط بها التاريخ الإسلامي، شهدت أسر ملك فرنسا لويس التاسع بعد معركة شرسة بين الجيش المصري والحملة الصليبية التي قادها ملك فرنسا لغزو مصر، وأسفرت المعركة التي دارت بالقرب من مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية في دلتا مصر عن خسارة فرنسا وأسر قائدها وإيداعه دار قاضي المدينة «ابن لقمان».
جالت «الجريدة» داخل الدار التي تحولت إلى متحف يحكي القصة كاملة، ويحفظ تفاصيلها، ويضم تماثيل وصوراً لشخصياتها وأبطالها.
القادم إلى وسط المدينة من أي اتجاه، لا بد من أن يقع نظره على {دار بن لقمان} التي تتكون من طابقين، وتتميز بطابعها المعماري الإسلامي، يرجع تاريخ بنائها إلى 1100 عام، إذ شيدت مع بدايات إنشاء الملك الكامل لمدينة المنصورة عام 975 تقريباً، وكانت المدينة عبارة عن قرية صغيرة يطلق عليها «أول ميت طلخا» نسبة إلى قرية طلخا المقابلة للمدينة على الطرف الآخر من شاطئ النيل، وبدأ العمران فيها، وأصبحت ملتقى للتجارة بين الأقاليم المختلفة.

أهمية تاريخية

تنقسم الدار إلى قسمين رئيسين: السلاملك، وهو سكن الرجال والحرملك الخاص بالنساء، ويجاورها مسجد الموافي نسبة إلى الشيخ الموافي الذي أقام فيه حلقات العلم، ودفن فيه، وقد بناه الملك الكامل مع بداية تأسيس المدينة، ولا يزال هذا المسجد قائما ولا تزال قبلته تدخل في حائط دار «ابن لقمان» نسبة إلى قاضي المدينة إبراهيم بن لقمان.

شهدت الدار نهاية الحروب الصليبية على الشرق العربي، التي بدأت مع إعلان لويس التاسع ملك فرنسا أنه سيقود غزوة صليبية هائلة لاحتلال مصر، بعد حصوله على موافقة باباوية عقب التصريح الشهير وقتها بأن مصر رأس الأفعى، ويجب اقتلاعها للسيطرة على العالم العربي أجمع، وقد استغلّ الصليبيون  الشتات بين الملوك العرب وتناحرهم بين بعضهم البعض.

اجتمعت جيوش هذه الحملة الأوروبية بقيادة فرنسا في قبرص في ربيع 1248، وقادها الملك لويس التاسع نفسه، ولدى وصولها إلى دمياط كان الملك الصالح نجم الدين أيوب في دمشق، وعندما علم بأخبارها عاد مسرعاً إلى مصر، غير أن المنية عاجلته في طريق عودته، فأخفت زوجته «شجرة الدر» خبر وفاته إلى حين عودة ابنه توران شاة من حصن «كيفا».

 عندما تسلم توران قيادة الجيش أعد خطة على الفور، بدأت بالاستيلاء على المراكب الفرنسية التي تحمل المؤن للمعتدين، فعرقل خطوط إمدادهم واضطرهم إلى التقهقر بعدما نفذ عتادهم الحربي والمؤن الخاصة بهم، وطاردهم توران شاة وراح  يغير على الجيش الصليبي أثناء انسحابه نحو دمياط، ثم طوقه وسد عليه طريق الانسحاب، ودارت المعركة الفاصلة قرب بلدة  منية أبي عبد الله بالقرب من المنصورة.

 أيقن لويس التاسع ملك فرنسا ألا أمل له في النصر، لا سيما أن قتلى الصليبيين في هذه المعركة - كما يذكر المؤرخون - حوالى ثلاثين ألفا، فعرض الاستسلام، وطلب الأمان لنفسه ولمن بقي معه خصوصاً  من عساكره وحاشيته، فأعطي له، هكذا استسلم لويس الحزين لنهايته الأليمة، وأرسل أسيراً إلى دار إبراهيم بن لقمان قاضي المنصورة، فاشترط المسلمون تسليم دمياط وجلاء الحملة عن مصر قبل إطلاق سراح الملك الأسير أو غيره من كبار الأسرى، ودفع فدية كبيرة، ولم يكن أمام لويس إلا الإذعان، فافتدى نفسه وبقية جنده بفدية كبيرة قدرت بحوالي 800 ألف دينار من الذهب تم تسليمها قبل أن يفك أسره ورجاله ويعودوا  إلى أوروبا .

محتويات أثرية  

الدخول إلى دار {ابن لقمان} من الباب الكبير الذي يزيد طوله على مترين، وينقسم إلى باب آخر لا يتجاوز طوله الأربعين سنتيمتر، وقيل إن الباب الصغير أنشأ خصيصا في قلب هذا الباب لكي يدخل الملك لويس محنياً الظهر إلى الأسر.

 يحتوي الطابق الأول قسمين رئيسين: الأول عبارة عن غرفتين تقعان على يمين الداخل، في كل منهما كوة صغيرة تطل على الطريق، لكنها أغلقت منذ أمد طويل.

الثاني على يسار الداخل، يتكوّن من غرفتين أيضاً، ولكن نظراً إلى تهدمهما فقد أعيد بناؤهما على هيئة صالة تحتوي لوحة ضخمة تمثل معركة المنصورة أمام الصليبيين، تمثالاً نصفياً لصلاح الدين الأيوبي، مجموعة من الأسلحة المستخدمة في ذلك العصر من رماح وسهام  وخناجر ودروع، ويتوسط القسمين صحن كبير للدار فيه سلم خشبي يصعد إلى الدور الثاني، الذي يتكون من غرفة واحدة أسر فيها لويس التاسع، وتضم: أريكة خشبية، خزانة في الحائط، نافذة مطلة على الخارج، كرسي ضخم، وأهم ما يميز الغرفة تمثال بالحجم الطبيعي للملك لويس والأغلال في يده، وخلفه {الطواشي صبيح} المكلف بحراسته وقتها .

ويلفت نظر الزائر إلى {دار بن لقمان} أبيات شعرية على بابه تحكي تاريخ الدار ومنها:

قل للفرنسيس إذا جئتهم: مقال صدق من قئـول فصيح

قد ساقط الحين إلى أدهم: ضاق به عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أودعتهم: بحسن تدبيرك بطن الضريح

خمسون ألفا لا يرى منهم: إلا قتيل أو أسير جريح

فقل هلم إن أضمروا عودة: لأخذ ثأر أو لقصد صحيح

دار ابن لقمان على حالها: والقيد باق والطواشي صبيح

مزيد من الدعم

تخضع الدار لعمليات ترميم بين الحين والآخر، غير أن علماء وخبراء الآثار الإسلامية يطالبون بتوفير المزيد من الاهتمام والدعم لها، ويقول الدكتور رأفت النبراوي أستاذ الآثار الإسلامية في جامعة القاهرة لـ «الجريدة»: «على الدولة ممثلة بوزارة الثقافة أن تولي اهتماما أكبر بدار بن لقمان، فهي لا تحتاج إلى أعمال ترميم يقوم بها قطاع الفنون التشكيلية بالوزارة في الفترة الجارية فحسب، بل نحن نملك أثراً شهد أحد أهم الأحداث من تاريخ طويل وممتد عبر عصور وأزمنة بعيدة، ومن الطبيعي أن نستغل ذلك من خلال التسويق العالمي للدار بشكل جيد».

بدوره يشير أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الزقازيق الدكتور قاسم عبده قاسم إلى التقصير في حق بعض الآثار التاريخية  عموماً والإسلامية خصوصاً، ومن ضمنها بالطبع دار بن لقمان، مؤكداً أن الاهتمام عادة يكون ببعض الآثار الفرعونية الشهيرة، لافتاً إلى ضرورة الحفاظ على الآثار من مختلف العصور، لا سيما العصر الإسلامي، ويقول: «نحن مطالبون بتقديرها والاهتمام بها وتطويرها، كونها أحد مصادر الدخل القومي المهمة التي تتميز بها مصر».

back to top