فجأة توقف صاحبي عن الكلام واكفهر وجهه وراح في خانة العبوس، فسألته: ماذا حدث؟ فرد بسرعة: لقد اتضح لي أنه من الصعب تحدي الحكومة، فما أكاد أرسم خريطة وأحدد بها الحفر حتى أفأجأ بعد أيام بظهور حفر جديدة أو اتساع بعضها، وزيادة عمقها.

Ad

رأيت واحداً من الأصدقاء، معروفاً بدماثة خلقه وخفة دمه، رأيته وهو يتأبط بعض الأوراق والملفات، فبادرته بالاستفسار: بوفلان هل عدت إلى مقاعد الدراسة أم أنك تحضّر للماجستير والدكتوراه؟ رد ضاحكاً: لا هذا ولا ذاك، فهذه الأوراق هي "خريطة الطريق"، لم أصدق ما سمعت! فصاحبنا ليس له أي علاقة بالسياسة، وجلّ ما يعرفه سوق السمك وشبرة الخضار.

 أدرك حيرتي فرد بسرعة: "لا يروح بالك بعيد"، فهذه الخريطة ليس لها علاقة بالسياسة أو ما يدور في المنطقة من حروب وفتن وتدمير وقتال، وليس لها علاقة بالأوضاع العامة في الدولة، والتي أخذت في الانحدار الحاد لا التدريجي في كل مناحي الحياة، فهذه خريطة الطريق الذي أسلكه من منزلي إلى مكان عملي والطريق إلى الديوانية والمخيم وسوق السمك وشبرة الخضار، لقد حددت في هذه الخريطة "الحفر" الموجودة في هذه الشوارع، لكي أتجنبها، فسيارتي جديدة، ولم أدفع بعد الكثير من أقساطها، وأطمح أن تعيش معي أطول مدة ممكنة، وذلك في حالة عدم التعرض لهذه الحفر.

وفجأة توقف صاحبي عن الكلام واكفهر وجهه وراح في خانة العبوس، فسألته: ماذا حدث؟ رد بسرعة لقد اتضح لي أنه من الصعب تحدي الحكومة، فما أكاد أرسم خريطة وأحدد بها الحفر حتى أفأجأ بعد أيام بظهور حفر جديدة أو اتساع بعضها، وزيادة عمقها.

 سكت ثم أطلق تنهيدة من القلب: "أخي هل تعتقد أن الحكومة وأعضاء مجلس الأمة يتلذذون بمعاناة المواطن؟ هل تعتقد أنهم يرقصون على آلامنا كما نرى في الأفلام بعض القبائل التي ترقص قبل ذبح الضحية؟ هل غدونا ضحية لاتفاقٍ أو توافق بين الحكومة وأعضاء المجلس؟ والمؤلم أننا نحن من أوصلناهم إلى تلك الكراسي الخضراء الوثيرة، ظناً أنهم سيتسابقون إلى خدمة الوطن والحرص على مصالحه، لكننا للأسف نراهم اليوم يتسابقون إلى تحقيق مصالحهم، فأنا ومن بعدي الطوفان، وأصبح بعضهم يجيد التصريحات والظهور الإعلامي الذي ينافس نجوم السينما والمسرح والغناء".

وتساءل: "ليش صرنا جذيه ليش قفزنا من الأمام إلى الخلف، من المقدمة إلى المؤخرة؟" من يتحمل وزر ذلك؟ الحكومة؟ المجلس؟ المواطن؟ الوافد؟ أم إنها لوحة رباعية الأبعاد؟ بالله عليك كم مستشفى تم بناؤه خلال الثلاثة عقود الماضية ماعدا مستشفى جابر الذي نخشى أن يكون مصيره مثل مصير استاد جابر، أطلالاً شاهدة على ما وصلنا إليه من انحدار، كم جامعة أنشئت غير تلك التي غدت مثل بيض الصعو؟ كم جسراً؟ كم نفقاً؟".

وواصل تساؤلاته: "كم هو مؤلم أن نرى هذه الآلاف من العمالة والشركات العاملة في مجال النظافة في الوقت الذي أصبحت القمامة بارتفاع أمتار، مع غياب تام لأعضاء المجلس البلدي، فتسمية الشوارع أهم من نظافتها، وما يزيد من الألم تلك الأرواح من شباب وأطفال والتي تُزهَق بين حطام السيارات نتيجة الرعونة والاستهتار والسرعة التي غدت وباءً ينتشر بين البعض دون رادع من ضمير أو قانون، "بس تكفون ما نبي جسور، ما نبي إنفاق ما نبي طرق سريعة، بس تكفون صلحوا الطرق وردموا الحفر".

توقف صاحبي فجأةً وقد أخذ منه الألم مأخذه، فألقى التحية وغادر يجر قدميه، فحبه وعشقه لهذا الوطن لا يتسع لهما الكون، وكم يتمنى أن يرى الكويت، وهي دانة الدانات كما كانت وكما ستكون، دعاؤنا دائماً أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.