لا يمكن إنزال الهزيمة بـ«داعش» بواسطة الدبلوماسية، والعقوبات، والتحالفات، أو المناورات السياسية، بل يجب قتل عدد كبير من مقاتليها، ولن يسمح الأميركيون البتة لقوات عسكرية تقليدية بمواجهتهم لأن حصيلة القتلى ستكون كبيرة جداً بكل بساطة، ونتيجة لذلك تبقى الطريقة الوحيدة المضمونة لهزم هذه المجموعة اللجوء إلى فيلق متجدد، موسّع، وضخم يضم مقاتلين خاصين متمرسين محصتهم نيران التجربة والخطأ.
ربما يعمل الرئيس الأميركي باراك أوباما على تطوير استراتيجية لمواجهة الفظائع الكارثية التي ترتكبها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، لكنه يملك راهناً أسلوباً أو هبة، إذا جاز التعبير، ترتكز على جنود يقاتلون أعداء مماثلين منذ أكثر من عقد.لنفهم هذه النقطة فإن علينا تأمل التاريخ: قام أسلوب جورج س. باتون في الحرب، ذلك الأسلوب الذي ألحق الهزيمة بالفيرماخت على المسرح الأوروبي خلال الحرب العالمية الثانية، على عقيدة حرب مبرمجة مسروقة من الألمان، فضلاً عن براعة أميركية مميزة في استخدام قوة نارية برية وجوية بغية دعم الدبابات المتقدمة، وقد شهد أسلوب باتون هذا تحسينات كثيرة خلال الصراعات الأميركية والإسرائيلية اللاحقة ليبلغ ذروته مع "الدولاب العظيم" الذي طحن جيش صدام حسين في عاصفة الصحراء عام 1991 وعند السير إلى بغداد عام 2003.ولكن بمرور الوقت، تعلّم الأعداء خططنا وكيّفوا طرقهم، ونتيجة لذلك، اصطدم أسلوب باتون بعقبات كبيرة في لبنان بسبب صواريخ حزب الله المضادة للدبابات، وفي العراق بسبب عبوات تنظيم القاعدة الناسفة المبتكرة.في تلك المرحلة ظهر منقذ جديد: الجنرال ستانلي ماكريستال، القائد السابق للعمليات الخاصة الأميركية، فخلال السنوات العشرين الماضية، طوّر ماكريستال وفريقه أسلوب حرب أميركياً فريداً جديداً باستبدال المهارات، والمعلومات، والدقة بالشعب، والمناورة، ووزن القذيفة، فرأينا أسلوب ماكريستال يُطبّق أولاً في أفغانستان عقب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حين اتحدت وحدات صغيرة من القوات الخاصة مع التحالف الشمالي الأفغاني بغية تقويض طالبان باعتماد ضربات محددة بدقة تنفذها طائرات من أعالي السماء.لكن سر هذا الأسلوب الجديدة يكمن في الناس لا في التكنولوجيا، إذ يبرهن نجاح ماكريستال أن من الممكن لوحدات صغيرة مؤلفة من جنود مختارين بعناية، مدربين، ومتمرسين، وموحدين، ويتمتعون بقيادة جيدة أن تقتل مجموعات أكبر من الأعداء، مبقيةً في الوقت عينه حصيلة القتلى بين القوات الصديقة والمدنيين الأبرياء عند الحد الأدنى.لا تخطئوا. يهدف أسلوب ماكريستال إلى القتل، إنما هو قتل من نوع آخر، إذ أسف الرئيس الأميركي لطبيعة مواجهة المتمردين والمقاتلين الذين لا ينفكون يظهرون مجدداً، لكن هذه التكتيكات تنجح حين يكون هؤلاء الأعداء أشخاصاً يحتلون مناصب حساسة داخل الشبكات الإرهابية، حين يكونون جزءاً من طبقة الإدارة الوسطى، أو حين يكونون مسؤولين عن التواصل، والنقل، والتمويل، والشؤون التقنية، والتطبيق.يُعتبر أسلوب ماكريستال بطرق عدة نقيض استراتيجية الصدمة والترويع، فهو غالباً متعمد إلى أبعد الحدود، يعتمد على تجميع معلومات تُنتزع بصبر من مصادر مختلفة تتراوح بين المخبرين وآذان وكالة الأمن القومي الكبيرة، فلا تُتخذ أي خطوة من دون تخطيط وتدريب واقعيين متكررين، ولا تُنفذ أي عملية من دون أن تشمل طبقات عدة من "الممكّنين"، فيقدّم المسؤولون الاستخباراتيون باستمرار المعلومات للفرق التي تتحرك لخوض القتال، كذلك تنقل الطائرات بدون طيار المسلحة وغير المسلحة صور فيديو عن تحركات العدو، ولا شك أن بعض عمليات القتل تُجرى عن قرب، إلا أن معظمها يعتمد على أسلحة جوية دقيقة تقضي على العدو في ظلام الليل.من المؤكد أن اليوم الذي يُطبَّق فيه أسلوب ماكريستال ضد "داعش" سيأتي لا محالة، لكن سحق هذه المجموعة سيتطلب تطوير هذا الأسلوب، علماً أن هذه خطوة لم تُنفذ من قبل، فـ"داعش" مجموعة ضخمة، ومن المؤسف أن العتاد والرجال الضروريين لإنجاز هذه المهمة قليلون، وقد استهلكوا بإفراط، ولكي ينجح أسلوب ماكريستال هذا، يجب توسيعه في وزارة الدفاع الأميركية على نطاق لم يسبق له مثيل.لا شك أن العقبات أمام هذه الخطوة كثيرة، وقد تشكل قيادة العمليات الخاصة العدو الأعند أمام توسيع هذه المقاربة، فهي تصرّ على أن قوات نخبة مماثلة لا يمكن إعدادها إلا بمجموعات صغيرة، لكن الواقع يُظهر أن ثمة عدداً كافياً من الرجال لتوسيع أسلوب ماكريستال، في حال أعيد تشكيل عدد من قوات الاشتباك التابعة للجيش والبحرية، ومن المؤكد أن هذا التغيير يتطلب وقتاً، فبناء قوة "نخبة" تقليدية يحتاج إلى تصفية قاسية للصفوف بغية اختيار الأفضل والألمع بهدف تدريبهم وتوطيد العلاقات بينهم بطريقة ثبتت فاعليتها خلال عقود من العمليات الخاصة.علاوة على ذلك، تصطدم هذه الخطوة بمشكلة المعدات، فقيادة العمليات الخاصة تصنّع موادها بنفسها، ولا شك أن عتادها أفضل مما تحمله القوات التقليدية؛ لذلك من الضروري التوصل إلى طريقة لنقل الأسلحة المتفوقة ونشرها، وأجهزة الاستشعار والاتصال، والدروع، والطائرات المروحية، والآليات إلى هذه القوات الخاصة "التقليدية" المنشأة حديثاً.تشكّل الطيارات بدون طيار النظير العصري لدبابات باتون، إلا أننا نملك عدداً قليلاً منها، ويعود هذا النقص في جزء كبير منه إلى تردد القوات الجوية في تبني الحاجة إلى "عيون واعية" آلية تتمركز باستمرار فوق أي قوات على الأرض قد تكون معرضة للخطر؛ لذلك يجب إرغام القوات الجوية والبحرية على توسيع أساطيلها من الطائرات بدون طيار بنحو عشرة أضعاف.لا يمكن إنزال الهزيمة بـ"داعش" بواسطة الدبلوماسية، والعقوبات، والتحالفات، أو المناورات السياسية، بل يجب قتل عدد كبير من مقاتليها، ولن يسمح الأميركيون البتة لقوات عسكرية تقليدية بمواجهتهم لأن حصيلة القتلى ستكون كبيرة جداً بكل بساطة، ونتيجة لذلك تبقى الطريقة الوحيدة المضمونة لهزم هذه المجموعة اللجوء إلى فيلق متجدد، موسّع، وضخم يضم مقاتلين خاصين متمرسين محصتهم نيران التجربة والخطأ.*واشنطن بوست
مقالات
طريقة وحيدة لهزم «داعش»
09-09-2014