في الوقت الذي أحالت وزارة الإعلام قانون الإعلام الإلكتروني إلى مجلس الأمة، لمناقشته وإقراره، كان من الواضح من معدي المشروع في الوزارة أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في وضع تعاريف وتوصيفات دقيقة لمعنى الإعلام الإلكتروني، وكل ما يمكن وصفه لذلك المشروع الحكومي أن معديه أرادوا تقديم قانون من أجل تنظيم ما يتداول على شبكة الإنترنت فقط، وهم متأثرين بقانوني المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع معا!

Ad

إذا أردنا تنظيم حالة معينة بتشريع قانوني فعلينا أن نعرف الحالة أولا، وبيان صورها ثانيا، ومن ثم نقوم بشرح الفعل المعاقب عليه ثم وضع العقوبة الملائمة له، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة الحرية التي تمارس، وإذا أخذنا كل ما سبق بعين الاعتبار فبالتأكيد سنصل إلى مشروع يمكن أن نقول إنه معالج للحالة المطلوب تنظيمها، ومن دون تلك المقومات الهامة للتشريع فلن نكون إلا أمام تنظيم مليء بالثغرات والعيوب التي ستجعل منه عملا غير قادر على مواجهة الحالة المطلوب تنظيمها!

فعندما أراد صائغو التشريع تنظيم ما يسمى بالإعلام الإلكتروني كان عليهم أولا وضع تعريف للمقصود بهذا الإعلام، وبيان موضح لصور هذا الإعلام الذي ينظمه، والأمر الآخر عليهم أن يحددوا الأفعال التي يحظر للمخاطبين بهذا المشروع تجنبها، والنص عليها صراحة دون ترك القياس لذهن القاضي، لأننا أمام قاض جنائي لا يعرف القياس، وينص صراحة على العقوبات التي تقع على المخاطبين في القانون في حال تجاوزهم لما هو محظور، وأخيرا ملاءمة العقوبات للأفعال المخالفة على المخاطبين بالقانون.

والملاحظ بالمشروع الحكومي خلوه من التعريفات الكاملة لصور الإعلام الإلكتروني، وثانيا خلطه بين ما يعتبر عملا إعلاميا إلكترونيا تمارسه المؤسسات الإعلامية وبين الأفعال الشخصية التي تكتب على شبكة الإنترنت بصور المدونات الإلكترونية أو المواقع الشخصية أو من خلال الحسابات الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي في «تويتر» و»فيسبوك» و»انستغرام»، كما لوحظ استمرار ذلك الخلط في تحديد مفهوم الإعلام الإلكتروني في مجال الحصول على الترخيص وإيقاع العقوبات.

ومثل هذا الخلط سيجعل من أمر تطبيق النصوص على المخاطبين بالقانون أمرا صعبا بل ومستحيلا في المعالجة، علاوة على معالجة بعض الأفعال الأخرى التي من المفترض أن ينظمها هذا القانون، إلا أنها بالأساس معالجة وفق قانون هيئة الاتصالات الحالي لها!  

أخيرا أدعو الإخوة في مجلس الأمة، وتحديدا في اللجنة التشريعية، إلى مراجعة المشروع لتلافي العيوب الواردة فيه، وإخراج الأفعال التي تخضع للتنظيم وفق قانون هيئة الاتصالات، والوصول إلى تعريف للإعلام الإلكتروني وصوره بعد سماع رأي المختصين، للوصول إلى تشريع منظم غير مقيد، يسمح بالحرية التي كفلها الدستور، ويبعد كل أنواع التسلط في تطبيقه!