البحث عن الأوسكار !
نقابة السينمائيين وصفت ما حدث بأنه «خطأ إداري غير مقصود» ولكن الأمر يتجاوز هذا بكثير، فالنقابة التي آل إليها حق ترشيح الفيلم المصري المُنافس على جائزة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، التي تمنحها أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، في احتفال كبير يُقام في صالة مسرح كوداك في مدينة لوس أنجليس الأميركية، في شهر مارس من كل عام، ارتكبت خطأ فادحاً عندما أعلنت عن ترشيح فيلم «فتاة المصنع» إخراج محمد خان للمنافسة على الجائزة ذائعة الصيت، وبعد يوم واحد اكتشفت، يا للهول، أنها استبعدت فيلمي «فرش وغطا» إخراج أحمد عبدالله و«فيلا 69» إخراج آيتن أمين من المنافسة ثم التصويت، رغم انطباق اللائحة التي تشترط في الفيلم المتقدم أن يكون قد عُرض في الفترة من 1/10/2013 حتى 1/10/2014 عليهما. وبسبب اعتراض المنتج محمد حفظي، الذي تقدم بالفيلمين، اتخذت النقابة قراراً، في سابقة هي الأولى من نوعها، بإلغاء التصويت وتأجيل إعلان النتيجة، وأعادت التصويت، وكما كان متوقعاً، وفي حضور 14 عضواً من أعضاء اللجنة المكونة من 17 عضواً، فاز «فتاة المصنع» بتسعة أصوات بينما حصد «الفيل الأزرق» أربعة أصوات و«فيلا 69» صوتاً واحداً!كانت الجلسة الأولى، التي حضرها عشرة أفراد من أعضاء اللجنة، وغاب عنها كل من يسرا وميرفت أمين، علاوة على المنتج محمد العدل، قد ناقشت ثلاثة أفلام هي: «فتاة المصنع»، «لمؤاخذة» و«الفيل الأزرق»، واحتدمت المنافسة بين «الفيل الأزرق» و«فتاة المصنع» قبل أن تحسم اللجنة قرارها باختيار الثاني. ولكن المنتج محمد حفظي فجر قنبلة مدوية بتأكيده أن التصويت باطل، نظراً إلى أن اللجنة لم تُشاهد فيلميه، بينما قال عضو باللجنة إن النقابة لم تخطر اللجنة بمشاركة الفيلمين رغم إرسالهما بالفعل بواسطة المنتج!
«تهريج» لا يليق، وتصرف غير مسؤول، خصوصاً إذا علمنا أن الأزمة اشتعلت قبل يومين من إغلاق باب قبول الأفلام الأجنبية بالمسابقة الأميركية، بما يعني أن اللجنة، التي قيل إنها ثورية، «تلعب في الوقت الضائع»، مثلما فعلت اللجنة التي شكلها فاروق حسني وزير الثقافة السابق، برئاسة الكاتب محمد سلماوي، واعتمدت على النجوم وحدهم، وفات على أعضائها يوم تذكر موعد التقدم للمسابقة، وكانت فرصة لانتزاع حق الترشيح منها كما فعلت عندما اغتصبت الحق نفسه من المركز الكاثوليكي للسينما، الذي احتكره فترة تجاوزت الخمسين عاماً! من هنا لم أر سبباً لثورة المخرج الكبير محمد خان، ووصفه ما جرى بأنها «محاولة بائسة لإيقاف مشاركة «فتاة المصنع» في مسابقة الأوسكار من طرف مخرج «مغمور» لم يراع الظروف غير المقصودة التي حدثت تحت ضغط الوقت»، وأضاف: «ما نفتقده اليوم هو الروح الرياضية واحترام الزمالة» فما حدث، بغير تهويل ولا تهوين، «فضيحة»، بدليل تأكيد مخرج «فرش وغطا» أحمد عبد الله بأن: «اللجنة لم تشاهد الفيلمين، وتم التصويت عبر الهاتف من دون اجتماع أو نقاش» (!) وقال: «اللجان ميالة إلى إرسال أفلام لمخرجين كبار وذوي تاريخ مرموق»، وأضاف: «الأزمة تكمن في تجاهل جيل من الشباب والتعاطي مع أفلامهم وكأنها تحصيل حاصل» وأنهى بقوله: «ترشيح مصر الرسمي للأوسكار تقليد سنوي ما لوش قيمة هناك»، وأتفق معه في وجهة نظره الأخيرة، بدليل أن جميع الأفلام المصرية، التي تم ترشيحها بواسطة المركز الكاثوليكي للسينما ثم لجنة وزارة الثقافة وأخيراً اللجنة «الثورية»، لم تتجاوز المرحلة الأولى للترشيح، ولم تبلغ مُطلقاً المحطة النهائية أو قبل النهائية، سواء كنا نتحدث عن «سهر الليالي» للمخرج الشاب هاني خليفة أو «رسائل البحر» للمخرج المخضرم داوود عبد السيد أو «شقة مصر الجديدة» للمخرج محمد خان، الذي لم أرتح لقوله: «الصحافة العالمية تناقلت خبر اختيار «فتاة المصنع»، والتراجع الآن بسبب خطأ لا ذنب للجنة فيه سيظهرنا بمظهر سيئ»، وكأنه لا يُمانع في تمرير قرار اللجنة التي لم تُشاهد الفيلمين! في الأحوال كافة، سيصبح على نقابة السينمائيين مخاطبة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة لإبلاغها بالفيلم الذي اختير لتمثيل مصر، ويتولى المنتج إرسال النسخة المترجمة، وكالعادة سيأتي شهر يناير ومعه ترشيحات الأفلام المشاركة في الدورة السابعة والثمانين ليتأكد، مجدداً، خروج السينما المصرية خالية الوفاض، ونُصبح طرفاً في جدل جديد حول أهمية هذه اللجان، التي تجتمع في اللحظة الأخيرة، وطريقة تشكيلها، وجدوى ما يصدر عنها من قرارات، والأسباب الفنية التي تجعل الفيلم المصري المُرشح للأوسكار لا يتزحزح عن مكانه قيد أنملة!