الجريدة• شاهد عيان على مقتل «شهيدة طلعت حرب»

نشر في 26-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 26-01-2015 | 00:01
No Image Caption
● القاهرة - نانسي عطية

كانت الساعة الثالثة والنصف عصر أمس الأول، حيث قادتني مهمة عمل لـ«الجريدة»، إلى ميدان طلعت حرب، وسط القاهرة بالمصادفة، كانت قوات الأمن تكثف وجودها، وتجتهد لإغلاق المكان القريب من أيقونة الثورة ميدان التحرير.

كنت أنتظر موعداً مع أحد المصادر في الرابعة عصراً، ظهرت مجموعة شباب «50 شخصاً»، بينهم رجال كبار السن، يلتفون حول لافتة تحمل شعار حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، تقف بينهم فتاة متحمِّسة، حملت طوقاً من الورد، كانت تتأهَّب لوضعه فوق النصب التذكارية لميدان التحرير.

هتاف «عيش حرية عدالة اجتماعية»، لم يستطع أن يخترق هدوء شارع هدى شعراوي. صوتهم لم يكن مسموعاً بما فيه الكفاية، حيث اصطفوا فوق أحد الأرصفة، لتجنب الاشتباك مع الشرطة، التي بدأت تقترب بتحفز من المتظاهرين، مصوّبة بنادقها نحوهم.

5 دقائق مرت قبل أن يبدأ هجوم الشرطة المفاجئ على الشباب، بإطلاق كثيف لقنابل الغاز المسيل للدموع، ودوي إطلاق رصاصات، لا أعرف إن كانت حية أم خرطوشاً. هرول الجميع فراراً من رائحة الغاز وقوات الشرطة التي أنزلت مجموعة من العساكر الملثمين، وظلت تلقي القبض على أي فرد يمر وتلقيه في مدرعاتها.

وسط ارتباك ودخان كثيف، شاهدت أحد الشباب يحمل فتاة كانت تحمل «طوق الورد» ويتجه نحوي، بينما غطت الدماء نصفها العلوي، وضعها الشاب على مقعد في «مقهى البستان» الشهير المطل على شارع طلعت حرب، كنت الفتاة الوحيدة في الشارع، وطلب مني متظاهرون أن أحاول إفاقتها مؤقتاً، ليتمكنوا من طلب سيارة إسعاف، كانت شيماء ـ هكذا سمعتهم ينادونها ـ تنزف من رأسها، حاولت وضع يدي لكبح النزيف لكني لم أفلح، كانت الدماء في حقيقة الأمر أقوى من الجميع، بدأت أصرخ مستغيثة بسيارة إسعاف لكن دون جدوى، وسط صراخ لا أعرف مصدره.

دخلت مدرعة وسيارة تابعة للشرطة وقفت أمامنا ونزل منها عساكر يحملون البنادق، بينهم قيادة شرطية بزي مدني، أمر العساكر بالقبض على الجميع، حيث تم الاعتداء عليهم بالضرب والسب بألفاظ نابية، ما اضطرني إلى الصراخ في وجه الجميع: «الحقونا... إسعاف»، لكن لم يسمعني أحد، وحين لم أجد ما أفعله لإنقاذها، فتحت حقيبة يديها الصغيرة، لأجد هاتفين نقالين، ومناديل ورقية، وخمسة جنيهات، وجواز سفر مصريا يحمل الاسم: شيماء صبري الصباغ من محافظة الإسكندرية.

كان «طوق الورد» الذي حملته شيماء، هو الشاهد الوحيد معي على انطفاء ملامح وجهها البريء إلى الأبد، وفي أحد أضيق شوارع القاهرة، لفظت الفتاة المصرية الثائرة، التي كانت تحلم بالتغيير، أنفاسها الأخيرة، بعدما جفف الهواء البارد الدماء وثبتها على وجهها، فيما انحفرت آثار الدماء على الأرض، تاركة بقعة حمراء قانية، تلمع في شارع طلعت حرب.

back to top