رغم استحواذ دول الخليج على أكبر احتياطي نفطي في العالم، بما يعادل 35.7% من الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وما نسبته 70% من إجمالي الاحتياطى العالمي لمنظمة «أوبك»، ونصف إنتاج دول «أوبك»، فإنها لا تمتلك موقفاً موحداً تجاه أي ملف في السوق النفطي.

Ad

تتجه الأنظار إلى يوم 27 نوفمبر الجاري؛ موعد انعقاد اجتماع منظمة أوبك، في وقت يشهد فيه سوق النفط العالمي حالة من التدهور السريع، بعد أن تراجع سعر البرميل خلال 4 أشهر بما يوازي 33 في المئة من قيمته، وسط توقعات سلبية لسوق النفط، فضلاً عن الاقتصاد العالمي بشكل عام.

وتراجع أسعار النفط يمثل ضغطا اكبر اليوم على المنتجين، لاسيما دول الخليج وتحديدا الكويت والامارات والسعودية، حيث تعتمد دول الخليج على الايرادات النفطية بنسب تراوح بين 75 و93 في المئة من اجمالي ايراداتها، وبالتالي فإن اي اختلال في سوق النفط سينعكس على هذه الدول قبل غيرها، خصوصا ان دول الخليج بالغت في زمن الوفورات النفطية في اعتماد ميزانيات ضخمة يصعب اليوم التراجع عنها بشكل مفاجئ.

أزمة قطر

دول مجلس التعاون، التي تجاوزت بداية الاسبوع ازمة سياسية معلقة، تمثلت في اتفاق خليجي على عودة السفراء الى قطر، عليها اليوم ان تتبنى رؤية واضحة وموحدة تجاه اجتماع «أوبك» الاسبوع المقبل تتمثل في مراجعة حجم الانتاج لوضع حد لتدهور الاسعار على المدى القصير وعدم استخدام هذا الملف سياسيا بما يضر بسوق النفط.

والأهم من الموقف تجاه اجتماع «أوبك» هو ان يكون هناك تفكير جدي بتطوير مجلس التعاون ليكون موضوع الاقتصاد وتحديات النفط أحد ملفاته الاساسية، فالتحديات اليوم لا تنحصر في الاسعار وهبوطها دون سعر التعادل المتنامي سنويا او في نسبة الاعتماد على النفط العالية، بل في الحاجة الى تنوع اقتصادي اقليمي، ايضا، يتجاوز كل محطات الفشل الاقتصادي لمنظومة المجلس الممتدة منذ اكثر من 32 عاما.

سلسلة فشل

بعد تجميد العملة الموحدة وتباطؤ انجاز الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة وغيرها من المشاريع الوحدوية الحقيقية، تواجه دول الخليج اليوم تحديات على ما يبدو انها طويلة المدى في سوق النفط، تتطلب تغييرا في السياسات والافكار ليتحول هذا المجلس من منظمة سياسية امنية الى تجمع اقتصادي تنموي، له موقف وصوت تجاه التقلبات في الاقتصادات والاسواق العالمية.

فدول الخليج، رغم انها تستحوذ على أكبر احتياطي نفطي في العالم يقدر بـ485 مليار برميل أي ما يعادل 35.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام، وما نسبته 70 في المئة من إجمالي الاحتياطى العالمي لمنظمة «أوبك»، ونصف إنتاج دول «أوبك»، فانها لا تمتلك موقفا موحدا تجاه اي ملف في السوق النفطي، بدءا من حجم الانتاج والاسعار الى تحديات النفط الصخري او التعامل مع ضعف الاسواق الرئيسية للطلب كشرق آسيا.

حرب أسعار

بل ان الانخفاض الذي شهده السوق النفطي ادى الى حرب أسعار بين دول المجلس، لاسيما الكويت والسعودية، ووصل الامر الى مرحلة التنازع على الحصص في سوق شرق آسيا، وربما كان سببا غير مباشر في تفاقم الخلاف حول «نفط الخفجي»، والذي ادى الى اتخاذ قرار سعودي بوقف الانتاج في منطقة العمليات المشتركة، وهذه سلوكيات لا تتناسب مع سياسات دول تبتغي التعاون والتفاهم حول القضايا الاساسية والمهمة، واولها النفط.

هناك مجموعة من الملاحظات من دول الخليج على عمل «أوبك»، اهمها عدم التزام العديد من الدول الاخرى في المنظمة في قرارات سابقة بخفض الانتاج مما يؤدي الى خفض حصة الملتزمين في السوق، لذلك يجب ان تعمل دول الخليج على اتخاذ موقف موحد يدعم توجهاتها في إلزام المنظمة بمتابعة الانتاج، وعدم تجاوز الحصص كي لا يعاقب الملتزم على التزامه بقرارات الغرض منها حماية السوق النفطي، وبالتالي عندما يكون الموقف من مجموعة دول لها ثقلها في الانتاج النفطي لا بد ان يكون الموقف اقوى واكثر الزاما من موقف دولة بعينها.

ووفقاً لبيانات الوكالة الدولية للطاقة، تضخ «أوبك» 30.5 مليون برميل يومياً، ومنذ عام 1984 خفضت المنظمة إنتاجها 11 مرة للتعامل مع تراجع قوي في أسعار النفط، لكن هذا الخفض لم يعد في السنوات الاخيرة مجديا بسبب ضعف الالتزام بالقرارات خصوصا من دول تعاني مشكلات اقتصادية كبرى تريد استغلال صعود الاسعار لبيع اكبر كميات ممكنة من النفط خارج اطار حصتها السوقية مما يسبب ضررا للمنتجين الملتزمين يتمثل في تراجع حصصها السوقية بل وفقدان اسواق وعملاء.

اتحاد اقتصادي

في جميع الأحوال، ليس المطلوب من مجلس التعاون الخليجي التوحد وايجاد سياسة متناسقة لاجتماع «أوبك» فحسب، بل التفكير لما بعده من سنوات ايضا، بحيث يتحول مجلس التعاون الخليجي الى اتحاد اقتصادي تماما، كما يحدث في كل الاتحادات الاقليمية والمنظمات الوحدوية المهمة في العالم، كالاتحاد الاوروبي ومجموعة آسيان وغيرهما، لان التحديات الاقتصادية القادمة سيكون اهونها معالجة انخفاض اسعار النفط نظرا لوجود تحديات اكبر، على رأسها تنامي الانتاج في النفط الصخري، ونمو الانتاج الاميركي وتباطؤ النمو في موطن الطلب على النفط الخليجي، ونقصد هنا دول شرق آسيا، فضلاً عن تنامي فاتورة الصرف في دول الخليج خلال السنوات الـ14 الاخيرة، مما يعني ان أثر انخفاض الاسعار وضعف الاسواق هذه المرة ربما يكون اشد من تأثيرات ما حدث من تراجع في نهاية الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، على دول المنطقة.

إن انشغال دول المجلس في قضايا خلافية وغير جوهرية بجرعة سياسية عالية ليس في مصلحة احد، فماذا لو كان النقاش او حتى الخلاف فنياً وفقاً لارقام ومعطيات ودراسات مستقبلية، خصوصا ان الامر يتعلق بالمورد الاساسي لثروات هذه الدول؟ فهل يمكن لدول الخليج ان تبدأ في التفكير لاجتماع «أوبك» على اعتبار أنه بداية تعاون لملف اقتصادي طال إهماله؟