التدمير الذاتي «Self Sabotage»

نشر في 12-05-2015
آخر تحديث 12-05-2015 | 00:01
 يوسف عبدالله العنيزي جلست مع أحد الأعزاء إلى قلبي وبدأنا نقاشا فيه الكثير من الألم والأسى على ما آلت إليه أحوال عالمنا العربي، وقد طرح وجهة نظر جديرة بالاهتمام، ففي اعتقاده أن عالمنا العربي قد مر على الكثير من المفاصل التاريخية التي غيرت مجرى الأحداث في المنطقة، بل في العالم بأسره لعل أبرزها من وجهة نظره قيام النظام العراقي السابق بغزو دولة الكويت واحتلالها خلال ساعات، ضارباً عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية والدينية، وحسن الجوار والمواقف النبيلة والمشرفة لدولة الكويت وقيادتها وأهلها ومساندته في حربه مع إيران التي استمرت على مدى ثماني سنوات، أكلت الأخضر واليابس، وراح ضحيتها الملايين من القتلى والجرحى والمعاقون من الطرفين، وتم تدمير البنية التحتية وإيقاف مشاريع التنمية ليس في العراق وإيران فحسب بل في دول المنطقة بأسرها.

 والمحزن أن هذا العمل الجبان والغادر، قد وجد التأييد والدعم من بعض الدول والجماعات والأحزاب التي كان من المتوقع أن تهب لمناصرة الكويت وأهلها، لكن ما شاهدناه كان عكس ذلك، وخرجت المظاهرات تجوب شوارع تلك الدول ليس تأييدا لذلك العمل الغادر فحسب، بل التحريض لاستخدام السلاح الكيماوي ضد الكويت وأهلها ودول الخليج بأسرها.

أما الحدث الثاني الجلل فهو قيام إحدى المنظمات الإرهابية بالهجوم المعروف بأحداث "الحادي عشر من سبتمبر 2001" والتي أطلق عليها زورا وبهتانا غزوة منهاتن؛ في تجنّ واضح على غزوات الرسول العظيم محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والسلام، فلم يسجل التاريخ أن قام عليه السلام بالغدر أو الخيانة أو قتل الناس وحرقهم أحياء، وهم يسعون في أرض الله لكسب قوتهم وقوت عائلاتهم.

 هل لنا أن نتخيل ما مشاعر أولئك الضحايا في تلك اللحظات؟ وما مشاعر أولادهم وأمهاتهم وزوجاتهم وهم يشاهدون أحباءهم وهم يحرقون بوقود الطائرات؟ للأسف إن هذا العمل الغادر والجبان يجد من يؤيده ويشيد به، بل نرى من يكاد يطير فرحا بذلك العمل الذي يخلو من أي ذرة من الشجاعة، والذي أزهق الروح التي أودعها الرحمن في عبده، فهل يعقل هذا؟

لا شك أن هذه الأحداث وما وجدته من تأييد ودعم دفعت العالم لإعادة النظر في المنطقة وشعوبها التي لم تتردد بدعم أعمال إرهابية يتقزز منها الضمير الإنساني المؤمن بالحياة، فالإنسان هو خليفة الله في أرضه لتعميرها لا لتدميرها، وعلى سنام ذلك المحافظة على النفس البشرية، حيث قال عزّ من قائل "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً".

 في ظل تلك المفاهيم المغلوطة لدعم تلك الأعمال الإرهابية المنافية لكل التعاليم الإلهية، فقد غدت هذه المنطقة ودولها محط تركيز للعمل على تفتيتها، وعدم الاستقرار فيها، واستنزاف ثرواتها التي غدت تمثل مصدر تمويل لتلك الجماعات والمنظمات الإرهابية، وتم وضع الخطط والدراسات لدفع المنطقة إلى مرحلة "التدمير الذاتي" التي نمر بها الآن، والتي لا يعلم أحد مداها، ومتى ستنتهي.

 وفي اعتقادي أن الإعلام العربي بكل أطيافه يلعب دورا رئيساً في عملية التدمير الذاتي، ونود هنا أن نسأل جميع الأطراف المتقاتلة على مساحة الوطن العربي، لماذا القتال؟ وأتمنى ألا يأتي الجواب بأن ذلك يتم من أجل الوطن وأهله، فالواقع ينافي ذلك، فهل يعقل أن تتم تلك المعارك من أجل هذه الحشود التي ضاقت بها مخيمات اللاجئين، أم من أجل الوطن الذي غدت مدنه وأريافه أطلالاً ينعق فيها البوم؟ ولعل الإجابة الحقيقية هي الرغبة في الوصول إلى السلطة والحكم، وبأي وسيلة كانت، حتى لو كانت على أجساد الشعوب ومأساتهم وبقايا وطن... ولكن إلى متى؟

 حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top