تشريعات منحرفة!
يبدو أن تركيبة هذا المجلس المفلس شعبياً وسياسياً تسعى إلى زرع الكثير من الألغام السياسية والقوانين المشبوهة والأعراف والسوابق السلبية في مسيرة الديمقراطية من أجل تدميرها من الداخل، وإشغال المجالس القادمة بإصلاح هذه التركة الثقيلة بغرض تعطيل دورها في إنجاز ما هو خير للبلد والناس حتى في المستقبل.
نتوقع كل شيء من مجلس الأمة بتركيبته الحالية وظروف انتخابه وأجندته السياسية، فهذا المجلس هو الذي أقر مجموعة من التشريعات المهمة في قضايا المال العام، ولكن بعد تفريغها من محتواها الحقيقي، وهو الذي بدأ باقتراح القوانين الخانقة للحريات السياسية وذات الصبغة البوليسية، وهو الذي يسعى إلى تحجيم دور النقابات والاتحادات الطلابية، وفي الجانب الرقابي تم تفريغ أدوات المحاسبة البرلمانية وتحويل الاستجوابات إلى أضحوكة سياسية ليس الهدف منها مساءلة السلطة التنفيذية بل تلميعها والتزلف لها تحت قبة البرلمان.مثل هذا الدور البرلماني لا يستغرب منه المضي باتجاه التشريع للفواحش، ولعل باكورة هذا القبح التصريحات الخاصة بالترويج للخمر، واعتباره من عادات أهل الكويت التي يجب أن تعود بقوة القانون!
قد تكون هناك دوافع ذاتية من بعض النواب الحاليين عندما يطرحون مثل هذه الاقتراحات، لكن يبدو أن هؤلاء المستجدين لم يفهموا الدستور بعد، والذي ينص على عدم جواز قيام المجلس بالتشريع لنفسه، ولكن بضميمة هذه العقدة النفسية يبدو واضحاً أن الاقتراحات المشبوهة لا تعدو أن تكون استفزازاً لبعض الشرائح الكويتية، وخصوصا من معارضيهم ومن بينهم الإسلاميون! وهنا أيضاً وقع أنصار الخمر فريسة الحقد، فعميت بصيرتهم عن احترام مشاعر أهل الكويت بمختلف مشاربهم، ولعل من بين هؤلاء أعداء التيارات الدينية ذاتها وخصومهم، فشرع الله ليس حكراً على أدعياء الدين والأحزاب الإسلامية، لكنه فطرة ومنطق ومسؤولية لا يستوعبها دعاة الفسق والفجور. وفي هذا السياق فقد كان من المخزي أن يتم الاستشهاد بالتجربة التركية الحالية، وسماح حكومة أردوغان للخمر وغيره من المحرمات! فلا حكومة أردوغان ولا غيرها تمثلنا في مخالفة ديننا وشريعتنا، وإذا كانت هذه السياسة قبلة لمشرعي شرب الخمر جهاراً فليذهبوا وليرموا بأنفسهم في أحضان الحكومة التركية، ويعيشوا في ظلها الوارف، ليكونوا في نفس الهمّ سواء! روى لنا بعض الزملاء النواب السابقين أنه عندما أقر قانون منع الخمور في الكويت في بداية سبعينيات القرن الماضي، كان بعض أعضاء المجلس غير مقتنعين به، لكنهم كانوا من أوائل من صوتوا للقانون، وعندما سئل أحدهم عن سبب تصويته، قال هذا تشريع للأمة ومسؤولية أكبر من قناعاتي الشخصية، فشتان ما بين تلك الأخلاقيات والممارسات الدستورية وبين سلوكيات البعض من نواب آخر زمن!يبدو أن تركيبة هذا المجلس المفلس شعبياً وسياسياً تسعى إلى زرع الكثير من الألغام السياسية والقوانين المشبوهة والأعراف والسوابق السلبية في مسيرة الديمقراطية من أجل تدميرها من الداخل، وإشغال المجالس القادمة بإصلاح هذه التركة الثقيلة بغرض تعطيل دورها في إنجاز ما هو خير للبلد والناس حتى في المستقبل، ومثل هذا المشهد وغيره أمر طبيعي في ظل الفراغ الكبير الذي تركته المقاطعة، وخير دليل على ذلك أن من يستعرض عضلاته اليوم ويسرح ويصرح في تقديم الاقتراحات والأفكار "البايخة" كان كطائر "الزرزور" المنقوع بالماء في المجالس السابقة، ورغم سلبيات تلك المجالس الكثيرة لكنها على الأقل لم تنزع ثوب الحياء لتشريع المحرمات والمنكرات!