اليونان كانت وما زالت موطن أزمة اليورو المستمرة

نشر في 14-02-2015
آخر تحديث 14-02-2015 | 00:01
على الرغم من أن كل شخص، بمن في ذلك تسيبراس، يصر على أنه يريد بقاء اليونان في اليورو فإن تهديدات واضحة موجودة الآن حول خروجها، ففي ديسمبر 2011 ترددت ميركل ثم قررت دعم اليونان من أجل إبقائها في حظيرة العملة الواحدة.
 إيكونوميست بدأت أزمة اليورو الخانقة قبل أكثر من خمس سنوات في اليونان؛ ولذلك فإن من الملائم بصورة كلاسيكية أن تكون اليونان الآن قد حلت عقدتها، وذلك بفضل الفوز الكبير الذي حققه حزب اليسار سيريزا بزعامة أليكسيس تسيبراس في الانتخابات التي جرت في الخامس والعشرين من شهر يناير الماضي.

ومن خلال طلب تحقيق خفض كبير في ديون اليونان والوعد باجراء موجة من الإنفاق العام طرح تسيبراس أكبر التحديات حتى الآن في وجه العملة الأوروبية الواحدة، وكذلك الحال بالنسبة إلى مستشارة ألمانيا أنجيلا ميركل التي حددت مسار التقشف في القارة الأوروبية.

وتبدو المخاطر كبيرة، وعلى الرغم من أن كل شخص، بمن في ذلك تسيبراس، يصر على أنه يريد بقاء اليونان في اليورو فإن تهديدات واضحة موجودة الآن حول خروجها، ففي ديسمبر 2011 ترددت ميركل ثم قررت دعم اليونان من أجل إبقائها في حظيرة العملة الواحدة. يومها لم تشأ مستشارة ألمانيا أن يوجه اللوم إلى بلادها بسبب حدوث كارثة أوروبية أخرى، كما أن الدائنين في الشمال والمدينين في الحنوب كانوا في وضع متوتر إزاء عواقب وتداعيات الخروج الفوضوي لليونان بالنسبة الى بنوك أوروبا واقتصادها.

ولكن الوضع تغير الآن، وخروج اليونان سيبدو كخطأ اليونان ولكن بقدر أكبر، فاقتصاد أوروبا أكثر قوة إضافة الى أن 80 في المئة من ديون اليونان في أيدي حكومات أخرى، وفوق ذلك كله فإن السياسات مختلفة، وتريد فنلندا وهولندا، مثل ألمانيا أن تتقيد اليونان بوعودها التي قطعتها عندما قامت تلك الدول بإنقاذها مرتين، وتخشى حكومات الوسط في جنوب أوروبا أن يدفع ابتزاز اليونان الناجح الناخبين نحو أحزاب المعارضة الشعبية كما هي الحال في بوديموس في إسبانيا.

تشوش الصورة

قد تغدو الصورة مشوشة تماماً، ولكن هناك ثلاث نتائج محتملة: الجيدة والكارثية والتسوية. انطوى تاريخ اليورو دوما على التوجه نحو تأجيل الحلول المؤلمة، ولكن المعركة الآن تتعلق بالسياسة لا الجوانب الاقتصادية، وقد تكون التسوية أكثر صعوبة.

وهناك أيضاً حل جيد ومرغوب بالنسبة الى اليونان وأوروبا في آن، ولدى تسيبراس شيئان صحيحان وشيء واحد خطأ، فهو على حق في وصفه تقشف أوروبا بالمغالاة، وكانت سياسة السيدة ميركل تدفع اقتصاد القارة نحو التراجع والانكماش، وهذا ما يعترف به البنك المركزي الأوروبي من خلال إطلاقه المتأخر لبرنامج التيسير الكمي. كما أن السيد تسيبراس على حق أيضاً في أن ديون اليونان، التي ارتفعت من 109 في المئة الى 175 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأعوام الستة الماضية رغم زيادة الضرائب وخفض الإنفاق، لا يمكن تسديدها، ويتعين وضع اليونان ضمن برنامج إعفاء مثل أي دولة إفريقية مفلسة، لكن تسيبراس كان مخطئاً في التخلي عن الإصلاح في الداخل، وكانت خططه الرامية الى إعادة 12000 عامل في القطاع العام والتخلي عن برامج الخصخصة وتحقيق زيادة كبيرة في الحد الأدنى للأجور سيئة بالنسبة الى مكاسب اليونان في ميدان المنافسة.

ومن هذا المنطلق نحن نقترح الحل التالي: دفع تسيبراس الى إلغاء اشتراكيته الضارة، والى التقيد بالإصلاحات الهيكلية مقابل الإعفاء من الديون، إما عن طريق تأجيل استحقاق ديون اليونان لفترة أطول أو خفض قيمتها الاسمية وهو الإجراء الأفضل، وفي وسعه عندئذ معالجة الفساد في اليونان، ثم إن المزيج المكون من تيسير الاقتصاد الضخم والإصلاح الهيكلي قد يوفر نموذجاً بالنسبة إلى دول أخرى مثل إيطاليا حتى فرنسا أيضاً.

حلم منطقي تماماً

هذا حلم منطقي جداً، إلى أن تستفيق وتتذكر أن تسيبراس قد يكون يسارياً تماماً وأن ميركل تكاد ألا تتقبل فكرة الخطط الحالية للتيسير الكمي، وهكذا فإن الحصيلة الثانية والمدمرة هي خروج اليونان من اليورو. المتفائلون على حق في أن هذه الخطوة ستكون أقل ألماً الآن مما كانت عليه في عام 2012، لكنها تظل مؤلمة على أي حال.

وستفضي إلى إخفاق بنوك في اليونان، ورقابة شديدة على رأس المال، ومزيد من خسارة الدخل والبطالة التي قد ترتفع معدلاتها الى أكثر من المعدل الحالي الذي يبلغ 25 في المئة مع احتمال خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي، كما أن تأثيرات ذلك ستكون قاسية على بقية دول أوروبا، وستطلق على الفور موجة شكوك حول ما إذا كانت البرتغال وإسبانيا وحتى إيطاليا ستظل في منطقة اليورو.

وهكذا فإن الجواب الأكثر احتمالاً هو التفادي المؤقت، ولكنه قد لا يستمر لفترة طويلة، وإذا لم يحصل تسيبراس على إعفاء من الديون فسيفقد كل مصداقية في أوساط الناخبين اليونانيين، ولكن حتى إذا نال تحسينات هامشية في وضع اليونان فإن دولاً أخرى ستقاوم تلك الخطوة، وأي تغيير في شروط الإنقاذ يجب أن تخضع لتصويت في بعض البرلمانات الوطنية بما في ذلك البرلمان الفنلندي، وإذا تمت الموافقة على هذه الخطوة فسيطالب الناخبون في دول مثل إسبانيا والبرتغال بإنهاء برامج التقشف، والأسوأ من ذلك، أن هذه الحصيلة ستقوي أجنحة اليمين واليسار في فرنسا وإيطاليا التي لا تعارض التقشف بل إنها ضد عضوية بلادها في اليورو.

مشاكل تقنية

وهناك مشاكل تقنية تواكب تلك الخطوة، ويصر البنك المركزي الأوروبي على أنه لا يستطيع تقديم سيولة طارئة الى بنوك اليونان أو شراء سنداتها ما لم تتوصل حكومة تسيبراس إلى برنامج متفق عليه مع الدائنين، وبالتالي فإن أي مأزق قد يفجر تدافعاً على بنوك اليونان، ومن شأن أي تمديد لاستحقاقات أن يفضي إلى تفادي هذه الحصيلة، ولكن ذلك قد يكون قليلاً جداً بالنسبة الى تسيبراس وكثيراً جداً بالنسبة الى ميركل.

وفي نهاية المطاف قد ترغم اليونان أوروبا على اتخاذ بعض الخيارات القاسية، ومع القليل من الحظ سيكون ذلك نحو الحصيلة الجيدة التي أوردناها من قبل، وقد يعيش الناخب اليوناني في وهم كبير إذا ظن أن في وسع تسيبراس تحقيق ما وعد به، ولكن يتعين على الألمان أيضاً أن ينظروا الى عواقب عنادهم، وبعد خمسة أعوام من اندلاع أزمة اليورو تظل الدول الجنوبية في منطقة اليورو عالقة في معدل نمو يقارب الصفر ومعدلات بطالة عالية، وقد بدأ الانكماش، وبذلك فإن الأعباء ستزداد على الرغم من التقشف المالي، وعندما تفضي السياسة الى نتيجة سيئة تصبح ثورة الناخبين اليونانيين متوقعة ومفهومة.

وإذا استمرت ميركل في معارضة كل الجهود الرامية الى الشروع في تحقيق نمو، وإنهاء الانكماش في منطقة اليورو فإنها سوف تعرض أوروبا الى عقد ضائع هو أكثر ضعفاً من العقد الذي شهدته اليابان في تسعينيات القرن الماضي، ومن شأن ذلك أن يطلق بالتأكيد ردة فعل شعبية أكبر من تلك التي شهدتها اليونان في شتى أنحاء أوروبا، وتصعب رؤية إمكانية تجاوز العملة الواحدة لتلك الظروف، وسيكون الخاسر الأكبر في تلك الحالة هو ألمانيا نفسها.

back to top