شي ومناورة الإصلاح
عندما كشف الرئيس شي جين بينغ عن أجندته الإصلاحية في الجلسة المكتملة الثالثة لمؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الثامن عشر في العام الماضي، كان يخوض مجازفة لا تقل خطورة، ولكن تُرى هل تؤتي استراتيجيته ثمارها في نهاية المطاف؟
عندما بدأ دنغ شياو بينغ الإصلاحات الداعمة للسوق في الصين قبل خمسة وثلاثين عاما، كان- هو والحزب الشيوعي الصيني- يخوض أكبر مجازفة سياسية منذ تأسيس الجمهورية الشعبية في عام 1949، وعندما كشف الرئيس شي جين بينغ عن أجندته الإصلاحية في الجلسة المكتملة الثالثة لمؤتمر الحزب الشيوعي الصيني الثامن عشر في العام الماضي، كان يخوض مجازفة لا تقل خطورة، ولكن تُرى هل تؤتي استراتيجيته ثمارها في نهاية المطاف؟في عام 1979، كان دنغ في موقف عصيب، فقد أدرك أن التحول من اشتراكية المساواة المخططة مركزياً إلى الرأسمالية الموجهة نحو السوق قد يؤدي إلى زعزعة استقرار حكم الحزب الشيوعي الصيني، وأن التراكم غير المتكافئ للثروة في الأمد القريب قد يحدث انقساماً اجتماعياً وسياسياً كبيرا، ولكن مع اقتراب الصين من حافة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، في أعقاب الفوضى التي دامت عقداً من الزمان إبان الثورة الثقافية، كان لزاماً على دنغ أن يتحرك، وكانت البدائل المتاحة قليلة للغاية، إن كان هناك أية بدائل.
وكانت الإصلاحات مجزية للغاية: حيث أسفرت عن أكثر من ثلاثة عقود من الزمان من النمو الاقتصادي الهائل. وعلاوة على ذلك، سمحت الإصلاحات للحزب الشيوعي الصيني بالحفاظ على قبضته القوية على السلطة، ولكن الإصلاحات أفادت بعض الأشخاص والمناطق بسرعة أكبر كثيراً من غيرها، وهي المشكلة التي كان التصدي لها أكثر صعوبة مما توقع دنغ.وتعكس إصلاحات شي، مثلها في ذلك كمثل إصلاحات دنغ، غياب البدائل، ذلك أن نموذج النمو الكثيف العمالة القائم على الاستثمار لم يفقد زخمه فحسب؛ بل إن انعدام كفاءة البيروقراطية والفساد المستشري- ناهيك عن التلوث الشديد- من العوامل التي تضر بآفاق الصين في الأمد البعيد أيضا، ولن يتسنى للبلاد أن تواصل ازدهارها- وتلتحق بعداد الدول المرتفعة الدخل في نهاية المطاف- إلا من خلال معالجة نقاط الضعف هذه والتحول إلى نموذج نمو قائم على الإبداع والاستدامة البيئية. والفارق بين جهود الإصلاح في الحالتين هو أن شي لابد أن يعالج أيضاً أوجه القصور التي عابت عمل دنغ، فقد تصور دنغ عن طريق الخطأ أن الدولة، التي احتفظت بدورها المركزي في الاقتصاد، سوف تتمكن من استخدام الموارد الجديدة المتولدة عن السوق في تصحيح أوجه التفاوت القصيرة الأمد التي خلقتها إصلاحاته، ولكن البيروقراطية وشبكاتها المميزة كانت الأكثر استفادة، كما أصبح الفساد الرسمي المستوطن- وهو مصدر ثان للتفاوت غير السوق- راسخا؛ ولهذا السبب، كانت حملة شي المناهضة للفساد بمثابة تمهيد حاسم للإصلاح.بعبارة أخرى، يتعين على شي بعيداً عن إتمام تحول الصين إلى اقتصاد مفتوح قائم على السوق أن يعمل على ترسيخ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع، في حين يعالج التفاوت الحاد في الدخل، والفرص، والثروة، والرفاهية؛ ولهذا السبب، يتعين على شي أن يلاحق الإصلاحات التي تسمح للناس والأموال والموارد والمعلومات والشركات بالتحرك والانتقال بقدر أكبر من الحرية بين القطاعات والمناطق والحدود الوطنية.وسوف يعمل التقارب الناتج عن ذلك في الثروة والفرص على توليد مكاسب اقتصادية واجتماعية هائلة، ولكن من خلال التحول الفعّال للجغرافية الاقتصادية للصين وآسيا والعالم، فإن التحرير من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى قدر كبير من التدمير الخلّاق، وعلاوة على ذلك، لن تتمكن قوى السوق من الحد من التفاوت في الأمد الأبعد إلا إذا تسامحت السلطات في الصين مع أشكال التفاوت القصيرة الأجل الناجمة عن تقلبات أسعار المساكن والأسهم والعمل والموارد الطبيعية والعملة.والمشكلة هي أن البيروقراطية الصينية تفضل الاستقرار، وهناك حوافز قوية تدفعها إلى تعزيز مركزها نسبة إلى السوق، وهو ما من شأنه أن يؤدي بالتالي إلى تفاقم أشكال التفاوت في السلطة وتثبيط الإبداع والنمو، غير أن البيروقراطية تظل تشكل جزءاً لا يتجزأ من تنفيذ أي سياسة تهدف إلى تعزيز التماسك الاجتماعي.ويتعين على شي، لكي ينجح في الحد من المخاطر الجهازية المتولدة عن قوة كبار الموظفين المتغطرسين الفاسدين في الصين، أن يسعى إلى إعادة التوازن إلى حوافز هذه الطبقة، وهو يعمل بالفعل على القضاء على الكسب غير المشروع، وتقييد نطاق الموافقات الإدارية، والحد من المزايا التي يتمتع بها القطاع المملوك للدولة، وتوضيح حقوق ملكية الأراضي، وتبسيط تنظيمات الرعاية الاجتماعية والضرائب والتنظيمات المالية، وبعيداً عن الحد من هذه المخاطر الجهازية، فإن هذه الجهود قادرة- إذا ما استمرت- على توليد "أرباح الإصلاح" بمرور الوقت. ولكن مشكلة الحافز لا تقتصر على البيروقراطية، ذلك أن الإصلاح الجهازي يتطلب الاعتراف بخطيئتين أصليتين والتكفير عنهما: ليس فقط خطيئة البيروقراطيين الذين جمعوا المال عن طريق إساءة استخدام سلطتهم، بل أيضاً خطيئة الرأسماليين الذين جمعوا المال بكسر هذه القواعد.ويتجلى هذا التحدي بوضوح شديد في المنافسة بين الشركات المملوكة للدولة والشركات الخاصة، وفشل الشركات الخاصة التي تفتقر إلى القدرة على الوصول إلى إعانات الدعم أو التمويل الميسر من شأنه أن يردع غيرها من الشركات عن الإبداع وتحدي الوضع الراهن. ومن ناحية أخرى، فإن الشركات المملوكة للدولة- القادرة على الاستثمار في القدرة الفائضة، وتسجيل خسائر صافية (غالباً بسبب الفساد وانعدام الكفاءة)، والاعتماد على إعانات الدعم الحكومية- لا تضطر أبداً إلى مواجهة الحساب والمساءلة.وهذا يعني أن سياسات الاقتصاد الكلي مثل أسعار الفائدة المنخفضة وسهولة الوصول إلى الائتمان لابد أن تستخدم لضمان المساواة في القدرة على الوصول إلى الائتمان لكل الشركات المؤهلة، استناداً إلى قدرتها التنافسية، وليس ملكيتها. ولكن من المؤسف أن تنفيذ مثل هذه التدابير يستلزم تدخلات بيروقراطية على المستوى الجزئي، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى المزيد من التوسع في سلطات الدولة، ولهذا السبب، لابد من إعطاء البيروقراطية الحوافز- رواتب أعلى، ومؤشرات أداء أكثر وضوحا، وإدراك حقيقة مفادها أن إساءة استخدام السلطة لن يتم التسامح معها- للتخلي عن الإدارة الجزئية لأنشطة السوق.الواقع أن تخفيف سياسة الاقتصاد الكلي في الصين مؤخرا، برغم التقلب المستمر في السوق، يشكل خطوة مهمة نحو كسر الحواجز غير الضرورية التي تحول دون تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتخفيف المخاطر الجهازية، والآن بعد نجاح حملة شي المناهضة للفساد في إسقاط بعض أكبر "نمور" الحزب الشيوعي الصيني، فإن الوقت حان للتركيز على الإصلاح البنيوي.ومن خلال الاستعانة بالنهج الصحيح والإرادة السياسية المتواصلة، فإن إقدام شي على خوض هذه المجازفة من الممكن أن يعود على الصين بذلك النوع من العائدات التي حققتها مجازفة دنغ وأكثر.أندرو شنغ & شياو غنغ* أندرو شنغ زميل متميز لدى معهد فونغ العالمي، وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة البيئي للتمويل المستدام، وشياو غنغ مدير الأبحاث لدى معهد فونغ العالمي.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»