«الدَّين عماة عين»
في قديم الزمان عاش رجلان متجاورين، وقد ربطت بينهما صداقة كبيرة، ومرت الأيام وكل واحد منهما يعتقد أن صاحبه أقرب إليه من أخيه، وفي يوم من الأيام طلب أحدهما من الآخر بعض المال على سبيل الاقتراض فرحب صديقه بذلك، وأعطاه ما طلب دون أن يكتبا ورقة به، وظل حبل المودة بينهما متصلا والصداقة باقية، وحدث أن احتاج صاحب الدّين إلى ماله، فطلبه من صديقه، ولكن هذا الصديق أنكر وادّعى أنه لم يسبق له أن اقترض شيئاً من صديقه، وتدخّل أهل الخير وحاولوا الإصلاح بين الصديقين، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، ووصل الأمر إلى قاضٍ حكيم، فقال لصاحب الدّين بعد أن أنكر صاحبه، هل يشهد معك أحد؟فقال الرجل: لا ياسيدي القاضي، لقد أعطيته المال على انفراد.
فقال القاضي: اذهب إلى المكان الذي أقرضته فيه المال وأحضر حفنة من التراب لأسألها عن الحقيقة. هنا دهش صاحب الدين لهذا الكلام، لكنه أطاع ومشى، ولما غاب قليلاً التفت القاضي إلى المدين وسأله: هل تظن أنه وصل إلى ذلك المكان؟ فأجاب المدين بسرعة لا فإن المكان بعيد جداً!فضحك القاضي، وقال: من أين عرفت أن المكان بعيد؟ هذا اعتراف منك بأنك أخذت منه المال في ذلك المكان، ثم حكم عليه القاضي أن يؤدي المال إلى صاحبه، وأن يعاقب على الكذب وخيانة الأمانة وغدره بالصديق.هذه القصة الجميلة التي تدل على ذكاء القاضي وفطنته ذكرتني بموقف مشابه حصل معي: فقد أقرضت أحد الأصدقاء مبلغاً من المال من دون كتابة الدَّين، وعندما حل موعد السداد، ذهبت إليه وطالبته بما لي فأنكر أني أقرضته المال، وقال لي بالحرف الواحد: أنت حلمان!!!- من خلال القصة التي ذكرتها والموقف الذي حصل معي نستفيد ما يلي:* الامتثال للأمر الإلهي "فاكتبوه". (البقرة آية 282) * في كتابة الدَّين سلامة لأموالنا وحقوقنا من الضياع.* لا بدّ من حضور الشهود عند كتابة الدَّين.* الثقة العمياء قد تؤدي إلى نكران الدَّين من ضعاف النفوس.* جزاء من يأكل المال الحرام وخيمة في الدنيا والآخرة.* ذكاء وفطنة القاضي.* الصديق وقت الضيق.* الكذب حبله قصير.