يواصل "داعش" محاولاته للاستيلاء على بلدة كوباني السورية الحدودية التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد، وعدت تركيا بتقديم المساعدة إلى ائتلاف باراك أوباما، إلا أنها لم تحرك ساكناً، وقد نجحت طائرات "سوبر هورنيت" الحربية الأسترالية في إتمام مهمتها الأولى بنجاح، مع أن بعض التقارير تشير إلى تلقي قنبلة واحدة، ويصبح الوضع في سورية والعراق أكثر تعقيداً يوماً بعد يوم.

Ad

تبدو الحكومة الأسترالية تواقة إلى دعم أوباما، لكن الولايات المتحدة ستكتفي باستخدام القوة الجوية، ولن تنزل أي قوات على الأرض، وينطبق الأمر عينه على أستراليا، إلا أن هذا لم يكن دقيقاً منذ البداية، فالقوة الجوية الخاصة ستخوض القتال مع عناصر من الجيش العراقي تقدم لها النصح، وتشير بعض التقارير إلى أن الحكومة العراقية قد وافقت على خطوة مماثلة، في حين تؤكد تقارير أخرى العكس، وهذا محير بالتأكيد.

يقول مؤيدو هذه الحرب من جهة إنها إنسانية، ومن جهة أخرى إنها ستسمر لسنوات، هل يعود ذلك إلى أنهم لا يعلمون كيف ستنتهي؟ وهل يستطيعون إنهاءها؟ كيف سيكون شكل الشرق الأوسط خلال هذا الصراع وبعده، حسبما يُفترض، أم أنهم لا يملكون أدنى فكرة عما قد يحدث؟ هل يعلم أي من الأطراف المعنية ماذا يفعل؟

لا شك أن إلزام دولة بحرب خطوة بالغة الأهمية، لكن الإقدام على خطوة مماثلة من دون أي استراتيجية ومن دون أي هدف نهائي يشكل الحماقة بعينها، فهذه خيانة للمسؤولية التي يجب أن تضطلع بها الحكومة تجاه مواطنيها وتجاه قواتها المسلحة التي يُطلب منها حمل ثقل هذه المهمة.

للولايات المتحدة تاريخ حافل مع اعتقادها أنها تستطيع تحقيق الأهداف العسكرية والسياسية بالاعتماد على القوة الجوية وحدها، ولكن منذ حرب فيتنام، اتضح أن هذا اعتقاد خاطئ.

بعد ثلاثة أسابيع من بداية الحرب في أفغانستان، قال وزير الخارجية آنذاك دونالد رامسفلد إن القوات الجوية الأميركية ما عادت تملك أهدافاً لتضربها، ولكن بعد 12 سنة تقريباً، ما زالت هذه الحرب متواصلة، فمن دون ضوابط على الأرض، تنجح القوات الجوية في التسبب بأضرار بالغة، خصوصاً بين المدنيين، إلا أنها لا تستطيع تحقيق نتيجة سياسية ثابتة، وإذا قررت الولايات المتحدة عدم استخدام قواتها البرية، ولم تتوافر أي قوات عربية ملائمة، فسيكون الإخفاق النتيجة الأكيدة.

من المؤكد أن ثمة قصة متقنة منمقة تروى عن كل من العراق وسورية، فستحقق الحكومة العراقية الجديدة الوحدة بين الشيعة والسنّة، ولا شك أن هذا سيتيح تأسيس قوة حربية فاعلة ضد "داعش"، ولكن هل اتخذت الحكومة العراقية أي خطوات لتخطي العداوة المرة بين السنّة والشيعة؟ يبدو احتمال التوصل إلى وحدة بين الشيعة والسنّة والأكراد بشأن العراق بعيداً جداً. بكلمات أخرى، التزم أوباما بالحرب والنصر، مع أن العنصر الأهم في ترسانته، قوات فاعلة على الأرض، ما زال مفقوداً.

في سورية، يُعتبر الخداع أكبر بعد على الأرجح، فقبل سنة، كان الغرب يتحدث عن تسليح الثوار لمحاربة الرئيس بشار الأسد، لكن هذا لم يحدث بطريقة فاعلة، فقد أدركت الأمم الغربية أنها لا تعرف هوية الثوار الحقيقية وما يمثلونه فعلاً، أما اليوم، فصرنا نعلم: تحول الثوار الأكثر فاعلية والأكثر عنفاً إلى "داعش"، قوة مسلحة عقائدية تمارس الإرهاب ضد المسيحيين، والشيعة، والسنّة على حد سواء، أي كل مَن لم يتبنَّ تطرف "داعش" بحد ذاتها.

تقضي الاستراتيجية المتبعة في سورية بتدريب الثوار الأخيار الذين لم يكونوا فاعلين ولم يتمتعوا بقيادة موحدة وتسليحهم وتحويلهم إلى قوة تستطيع إنزال الهزيمة بـ"داعش"، ومن ثم الالتفاف، حسبما يُفترض، والإطاحة بالأسد، وهذه تفاهات بالتأكيد.

يذكر توني آبوت أن "داعش" يمثل خطراً وجودياً يهدد العالم، ويعني ذلك فعلياً أن "داعش" يهدد استمرار أستراليا واستمرار الولايات المتحدة، فهل تعتبر المملكة العربية السعودية، والأردن، وتركيا، والإمارات العربية المتحدة، ودول أخرى في الشرق الأوسط "داعش" خطراً وجودياً يهددها؟ وإذا صح ذلك، فأين الدعم العملي لائتلاف أوباما؟

قيل لنا إن أكثر من ثلاثين دولة وعدت بالدعم، وتشير التقارير إلى أن أستراليا وبريطانيا وفرنسا قدمت قوات جوية، فضلاً أن أستراليا أنزلت بعض عناصر القوة الجوية الخاصة على الأرض، وسيشكل هؤلاء القوة الوحيدة على الأرض بالتأكيد، ولكن هل نفهم حقاً أي أمر غير أعمال الإرهاب والوحشية التي يرتكبها "داعش"؟

لمَ لا تبدو الدول العربية مستعدة لمواجهة هذا الخطر الوجودي الذي يهدد العالم، والذي يُفترض أنه يهددها هي أيضاً، بما أن "داعش" يزداد قوة في قلب العالم؟ هل تتعرض هذه الدول لخطر أكبر إن شاركت في ائتلاف أوباما أم ظلت خارجه؟ على هذه الدول أن تدرك أيضاً أن النصر في الحرب ضد "داعش" لن يتحقق من دون قوات على الأرض.

يبرهن حصار كوباني على عدم جدوى القوة الجوية من دون قوات على الأرض، إذ بدأت تكتيكات "داعش" تتبدل اليوم، فقد انتقل محاربوه إلى مناطق مأهولة، وهكذا إذا استُخدمت القوة الجوية ضدهم، يموت عدد كبير من المدنيين، كذلك صاروا يتحركون سيراً على الأقدام وبسرعة، ويتنقلون بطرق لا يمكن العثور عليهم معها، بالإضافة إلى ذلك، يعرفون كيفية تفادي التحول إلى أهداف سهلة من الجو، ولا شك أن تكتيكات "داعش" بالغة التعقيد، ومع كل خطوة في حملته الرهيبة هذه، نجح "داعش" في التغلب على أعدائه والتفوق على تفكير الولايات المتحدة .

هل نظن أن شعبنا غبي وجاهل إلى هذه الدرجة، حتى إنه يعجز عن تمييز الخداع في قلب هذه الاستراتيجية؟ هذه حرب، وقد سار قائد القوات الأعلى في ما يُفترض أنها أعظم ديمقراطية في العالم إلى الحرب وهو يملك أسوأ فهم استراتيجي أعرب عنه قائد أعلى في كل التاريخ، وها نحن نتبعه بحماسة، تواقين على ما يبدو لخوض القتال.

مالكولم فريزر - Malcolm Fraser