عندما يُعلن المضيف التلفزيوني بيل ماهر في برنامجه الأسبوعي أنّ "العالم الإسلامي يملك قواسم مشتركة عديدة مع داعش"، ويزايد ضيف الحلقة الكاتب سام هاريس عليه زاعماً أنّ الإسلام هو "منبع الأفكار الفاسدة"، فإنني أدرك لماذا يستاء الناس. لقد انتهى ماهر وهاريس إلى تبسيطات ومبالغات غير دقيقة، ومع ذلك فقد كانا يتحدّثان عن أمرٍ حقيقي أيضاً.
أنا على درايةٍ بكلّ الحجج التي تتناول الإسلام بوصفه ديناً عنيفاً ورجعياً، فهو يتمتّع بقاعدة واسعة من الأتباع تصل إلى 1.6 مليار شخص، وتضمّ دولٌ مثل إندونيسيا والهند مئات الملايين من المسلمين الذين لا تنطبق عليهم هذه الأفكار الكرتونية؛ ولهذا السبب يُلام ماهر وهاريس على تعميماتهما الشمولية، لكن بصراحة، يعاني الإسلام مشكلةً اليوم، فالمناطق التي تواجه مشكلة التكيّف مع العالم الحديث هي الدول التي يَطغى فيها وجود المسلمين.في عام 2013، سبعٌ من أهمّ عشر جماعات ارتكبت هجمات إرهابية كانت إسلامية، وسبعٌ من أهمّ عشر دولٍ وقعت فيها هجمات إرهابية ضمّت أغلبية مسلمةً، ويصنّف مركز بيو للأبحاث الدول على أساس القيود التي تفرضها الحكومات على حرية ممارسة الشعائر الدينية، ونجد أنّ الدول التي تضم أغلبية مسلمة تشكّل 19 دولةً من الدول الـ24 الأكثر تقييداً للحرية الدينية، أمّا الدول الـ21 التي فيها قوانين ضد الردّة فجميعها ذات أغلبية مسلمة.يعاني الإسلام اليوم سرطان التطرّف، وثمة أقلّية من المسلمين تتبنّى العنف والتعصّب وتتّخذ مواقف رجعية صارمة تجاه المرأة والأقلّيات، وعلى الرغم من أنّ البعض يواجه هؤلاء المتطرّفين، فإنّ عدداً غير كافٍ يفعل ذلك، وتتّسم صرخات الاحتجاج بشيءٍ من الخجل، فكم تظاهرةً حاشدة خرجت اليوم في العالم العربي تنديداً بالدولة الإسلامية (داعش)؟"الإسلام اليوم" عبارةٌ مهمة، وتكمن المشكلة المركزية في تحليلات ماهر وهاريس في أنها تتناول واقعاً- هو التطرّف في الإسلام- وتصفه بطريقة تشير إلى أنّه متأصّل في الإسلام، ويزعم ماهر أنّ الإسلام هو "الدين الوحيد الذي يتصرّف تصرّف المافيا ويقتلك إذا ما تفوّهت بالكلمة الخطأ أو رسمت الصورة الخطأ أو ألّفت الكتاب الخطأ"، وإنّه مصيبٌ بشأن تلك الوحشية، لكنّه مخطئٌ في نسبها إلى "الإسلام" عوض أن ينسبها إلى "بعض المسلمين".يتفاخر هاريس بتقديمه تحليلاً دقيقاً بفضل شهادة الدكتوراه التي يحملها، تعلّمتُ في كلية الدراسات العليا أنّك لا تستطيع أبداً تفسير ظاهرةٍ متغيّرة مستخدماً قضيّةً ثابتة؛ لذا، إن كنت تزعم أنّ الإسلام بطبيعته عنيف وغير متسامح- أي "منبعٌ الأفكار الفاسدة"- وبما أنّه موجود منذ 14 قرناً، فلماذا لم يسُدْ هذا السلوك طوال 14 قرناً؟على هاريس أن يقرأ كتاب زخاري كارابيل "السلام عليكم: أربعة عشر قرناً من الصراع والتعاون بين المسلمين والمسيحيين واليهود"، فيكتشف أنّ حروباً شُنَّت غير أنّ قروناً عديدة ساد فيها السلام. قاد الإسلام في بعض العصور طليعة الحداثة، لكن في فتراتٍ أخرى كحاضرنا، عانى المسلمون تقاعساً رهيباً، وكما أوضح لي كارابيل: "إذا ما استثنيت السنوات الـ70 الأخيرة تقريبا، فإن العالم الإسلامي عموماً كان أكثر تسامحاً تجاه الأقليات من العالم المسيحي؛ ولهذا السبب عاش أكثر من مليون يهودي في العالم العربي حتى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، نحو 200 ألفٍ منهم في العراق وحده".إذا مرّت فترات تميّز فيها العالم الإسلامي بالانفتاح والحداثة والتسامح والسلام، فإنّ هذا يشير إلى أنّ المشكلة لا تكمن في جوهر الدين ويمكن أن تتغيّر الأمور يمكن مرّةً أخرى. لماذا إذاً يُطلق ماهر هذه التعليقات؟ أتفهّم أنّه كمفكّرٍ عام يشعر بالحاجة إلى التحدّث عمّا يراه حقيقةً ناصعة (على الرغم من أنّ تلك "الحقيقة" مبسّطة ومبالغ فيها)، لكن حتماً ثمة مهمة أخرى تقع على عاتق مفكّرٍ عام، وهي محاولة تغيير العالم نحو الأفضل.فهل يظن حقاً أنّ تشبيه الإسلام بالمافيا سيُحدث هذا التغيير؟ يقول هاريس إنّه يريد تشجيع "المسلمين الذين لا يأخذون الإيمان على محمل الجد" على أن يصلحوا دينهم، فهل تقضي استراتيجيته لإصلاح الإسلام بإعلام 1.6 مليار مسلمٍ، معظمهم أتقياءٌ وورعون، بأنّ دينهم شرّير وعليهم التوقف عن أخذه على محمل الجدّ؟ ليست هذه هي الطريقة التي انتقلت فيها المسيحية من اعتناقها العنف والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وحرق الساحرات والتعصّب لقرونٍ طويلة إلى وضعها الحديث، بل على العكس احتفى المفكّرون واللاهوتيّون بعناصر الدين التي تتّسم بالتسامح والتحرّر والحداثة وسلّطوا الضوء عليها، مقدّمين للمسيحيين الملتزمين أسباباً تجعلهم يفخرون بإيمانهم، وسوف ينجح نهج مماثلٌ– يستند إلى الإصلاح ويرافقه الاحترام- مع الإسلام بمرور الوقت.المخاطر كبيرة في هذا النقاش، فإمّا أن تحاول أن يتصدّر اسمك الأخبار وإمّا أن تُحدِث فرقاً، آمل أن يبدأ ماهر بتبنّي المسلك الثاني.* فريد زكريا
مقالات
بصراحة: هل في الإسلام مشكلةٌ الآن؟
15-10-2014