في مثل هذا الوقت من العام الفائت دخل عليَّ في مكتبي تسبقه ابتسامته الطيبة، طافحاً بحماسته: "سيكون مهرجان الكويت للمونودراما".

Ad

شرح لي فكرته بإيمانه العميق بدور وأهمية المسرح، وسرح لبرهة قبل أن يضيف: "هي مبادرة شخصية من الألف إلى الياء".

ولأن تلك المبادرة كانت مهمة وهامة، ولأنها تضيف رصيداً مسرحياً محلياً وعربياً وعالمياً لرصيد الحركة المسرحية في الكويت، فلقد شددتُ على يد الصديق جمال اللهو، وقلت له: "سأكون داعماً للفكرة والمشروع بكل ما أستطيع".

انطلقت الدورة الأولى لمهرجان الكويت للمونودراما، وحققت نجاحاً لافتاً، وعبر بي الهاجس: "عسى ألا يهدأ حماس جمال اللهو، ويركن لتحقيق أمنية طالما راودته". لكن الصديق جمال فاجأني قبل مدة بزيارة لطيفة لمكتبي، ومعها دعوة حضور افتتاح المهرجان في دورته الثانية، مساء يوم السبت 11 أبريل الجاري.

أكتب مقالي هذا وأنشطة مهرجان الكويت للمونودراما في دورته الثانية جارية، ومعها فعاليات مسرحية وندوات يومية يحتضنها مسرح الدسمة، لكن ما يهمّني التوقف عنده هو دور المبادرات الشخصية في تقديم إضافات لافتة للحركة الثقافية والفنية في الكويت.

أقطار الوطن العربي تعيش اليوم واقعاً سياسياً وعسكرياً واجتماعياً مخيفاً ومؤلماً، وحين يجتمع الأدباء والمثقفون في أي بقعة، يُشار إلى أن دول الخليج، وربما لأكثر من سبب، باتت وحدها مؤهلة أكثر من أي وقت مضى، لتقديم مبادرات فكرية وثقافية على مستوى العالم العربي، وأن هذا الدور سيجعل منها مراكز فكرية وثقافية وفنية عربية، وسيحفظ لها قيامها بدور ثقافي في عز أزمات الوطن العربي.

مؤكد أن المؤسسات الرسمية والأهلية في منطقة الخليج تلعب دوراً أدبياً وفنياً على مستوى الوطن العربي ما عاد خافياً على أحد. وأن هذا الدور يلاقي إقبالاً واهتماماً عربياً واسعاً، وما الندوات الأدبية، ومعارض الكتب وأنشطتها الثقافية، ومهرجانات المسرح، واحتفالات الجوائز الأدبية التي وصلت بالكاتب العربي إلى العالمية، إلا نموذج واضح لما تقدمه الساحة الخليجية من جهد ثقافي لافت للساحة العربية. وهذا ليس منةً ولا تفضلاً، لكنه وصل محمود بالمفكر والمبدع والمثقف العربي، وهو في المحصلة جهد إنساني يصب في خانة إثبات الذات، وأن العنف والحروب الوحشية التي تشتعل على أرض هذه الأمة لن تمنع أبناءها المفكرين والأدباء والفنانين من القيام بدورهم التاريخي، في تحليل الواقع القائم، وبث شيء من الأمل في نفوس أبناء الأمة العربية، وأن محن الأمم هي منعطفات لابد منها، للخروج إلى الضياء والسلام والحرية والديمقراطية.

وسط هذه المعطيات، تبرز المبادرات الشخصية الخليجية ذات البعد العربي، بوصفها مشاعل نور في ظلمة الأحداث، وما مهرجان الكويت للمونودراما الثاني إلا نموذج حي على ذلك. فالصديق جمال اللهو، حين يخطط وزملاؤه للدورة الثانية، مندفعاً بعشقه لإعلاء سمعة وطنه الكويت، ووطنه الأكبر العربي. جاعلاً من قضايا وهموم المسرح والمسرحيين العرب نشاطاً إنسانياً جميلاً على أرض الكويت، جامعاً من حوله أسماء مسرحية عربية كبيرة من مصر والأردن والعراق والمغرب وجميع دول الخليج العربي، إلى جانب عروض عالمية من إيطاليا وغيرها، كل هذا مجتمعاً يشير بوضوح إلى قيمة المبادرة الشخصية، وأن الإرادة والعمل الشخصيين يؤديان إلى ثمر طيب يبقى شاهداً على مر الأيام.

في جميع المناسبات العربية، التي أحضرها، وحيثما كانت، يردد الأدباء والفنانون في جلساتهم: ان أهم ما يميّز المناسبات هو لقاء الأصدقاء، وردم الهوة بين الأجيال، وتبادل الرأي، ومد جسر من التواصل والتعارف بين أبناء الأمة الواحدة، وهذا جزء مما يقدمه مهرجان المونودراما الثاني، فالشكر والتقدير لصاحب الفكرة الأخ جمال اللهو.