إبراهيم أصلان يوصي شباب الأدباء بالدقة لا الوضوح
رواية جديدة له في ذكرى رحيله الثالثة
قال كلمته، وطوى جراحه، ورحل في صمت يليق بالمبدعين الكبار، تاركاً أوراقه تلهم كثيراً من قارئيه ومريديه... إنه المبدع إبراهيم أصلان، الذي مرّت ذكراه الثالثة أخيراً، وبهذه المناسبة تحتفي هيئة الكتاب المصرية خلال فاعليات معرض الكتاب هذا العام بالكاتب الراحل، وستصدر له رواية جديدة وهي «صديق قديم جداً» التي سبق أن نشرها مسلسلة في 38 حلقة في جريدة «الأهرام» على شكل مقالات، وراجعها بنفسه قبيل وفاته بأيام قليلة. لكن جاءت وفاته ليقف صدور الكتاب حتى تبنت هيئة الكتاب نشره.
يقول الروائي عبدالوهاب الأسواني عن صديقه الراحل إبراهيم أصلان: «سيظل يدهش العالم حتى بعد رحيله بعشرات السنين. إعادة قراءة أعماله تضيف إليك كل مرة دهشة جديدة، فرواية «مالك الحزين» مثلاً إحدى أعظم الروايات العربية، لأنني عندما أقرأها أشعر أن أصلان كان يرسم فيها الكلمات، ويُشرِّح المجتمع من خلال شخصية الشيخ الكفيف، الذي يرصد يوميات أبناء الحي رغم فقدانه البصر وآلامه وهمومه من دون أن يتخلى عن الأمل والبسمة».يتذكَّر الأسواني كلام أصلان عن شخصيات أعماله الأدبية، ويقول: {أبطال قصصي ورواياتي التقيتها فعلاً، وعاشرت بعضها وأحببته}، مشيراً إلى أنه كانت لدى أصلان قدرة كبيرة وفذة على تحويل الواقع إلى عمل أدبي يستحق الاحترام، خاتماً كلامه بأن الراحل كان شخصاً صافي النفس، لا يشعر بالغيرة من أحد، وكان يفرح عندما يجد عملاً أدبياً جيداً، {ولهذا كنت أراه أيقونة الصفاء في واقع يملأه الإدعاء والزيف والأكاذيب.}الأديب والروائي يوسف القعيد يتذكر أصلان في ذكراه، قائلاً: {كان يحب البعد عن الأضواء، يضع كل قوته وجهده في العمل، وأفنى عمره في إنتاج الأعمال الأدبية التي كانت تتميز بالواقعية والتركيز في السرد والأحداث بعيداً عن المط والتطويل والثرثرة. ويمثّل كل عمل له جوهرة ثمينة بعدما ابتكر لنفسه مدرسة في كتابة القصة القصيرة، وجدد كثيراً في فنون الكتابة، حيث مزج بين اللغة العامية الفصيحة وبين اللغة العامية الشعبية، وسار على نهجه عدد كبير من الأدباء في ما بعد}. يؤكد القعيد أن نهر إبداع أصلان سيظل جارياً بسبب شخصياته التي انتقاها من الواقع المصري، فأعماله كافة كانت مرتبطة بالبيئة حيث نشأ، وصار عنواناً للشخصية المصرية التي تتّسم بحبّها للحياة ببساطة وسلاسة. وستظل إمبابة والمناطق الشعبية المصرية مدينة له بتخليدها أدبياً وفنياً، فقبل أن يقدم لنا أصلان {مالك الحزين} لم يكن أحد يعلم شيئاً عن {إمبابة}، إلا أنها المكان الذي دارت فيه المعركة الأولى بين نابليون بونابرت والمصريين.يشير الناقد الأدبي عبدالمنعم تليمة إلى أن أصلان كان مقلاً، لكنه تميز بوصفه الدقيق المفعم بالحياة وحرارتها للتفاصيل اليومية التي لا يذكرها أحد، معتمداً على تتابع المشاهد وتكوين اللحظات المتتالية، ما ضمن له موقعاً بالغ الأهمية في الكتابة المعاصرة، مضيفاً إلى تجارب جيل الستينيات الذي تصدر المشهد الأدبي لفترة طويلة، من منجز نجيب محفوظ ويوسف إدريس. وكان من المجددين بعدما انتصر لأبناء وطنه من المهمشين والفقراء والبسطاء. ويوضح تليمة أنه كان يقرأ أعمال أصلان كافة لحظة صدورها.يؤكد تليمة أن أصلان لم يحاول التنكر لماضيه بل كان يؤكده في أعماله، ولم يتعال على بيئته، موضحاً أنه ارتفع بالسرد إلى درجة الشعر فأنشأ لغة جديدة تتسم بالثقافة والشاعرية، حيث لم يكن مسرفاً في لغته في حالات كثيرة، وطوَّع موهبته الفريدة في كتابة القصة القصيرة بأسلوب خالٍ من الصخب اتسم بالعذوبة والبساطة، وعندما كتب الرواية اعتمد روح القصة القصيرة.القاص عمرو جودة يرى أن أصلان كان يخلص للسرد كأنه رسام لا يترك ملمحاً في عمله من دون تعامل فني خاص، وجاء ذلك بشكل مغاير لما اعتاد عليه الناس. حتى في مقالاته الصحافية رفض أن يترك طريقته السردية القصصية، فكان يعطي التفاصيل حقّها، ويحرص على أن يكون كل مقال قصة قصيرة. ويوضح أن أصلان كان مؤمناً بالجيل الجديد ناقماً على الحرس القديم الذين يقف أمام هذا الجيل لإيمانه أن هذه هي سنة الحياة.يستكمل جودة كلامه: {كانت أعماله تنتمي إلى عوالم ثرية وإنسانية انبثقت من التجارب التي اكتسبها من الحياة الصعبة القاسية التي عاشها، وعدم استكمال تعليمه الجامعي، وظهرت هذه الخبرات في أعماله، التي كانت تتميز بالواقعية الشديدة، حيث كان يحوِّل شخوصه إلى كائنات حية ملموسة تشعر كأنها جزء من حياتك، فكل عمل قام به يعد إنجازاً بمفرده فتحولت قصصه إلى ما يشبه الأيقونات ذات النكهة المصرية التي لا تخفى على أحد}.