حصاد نوفمبر الدبلوماسي

نشر في 02-12-2014
آخر تحديث 02-12-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت الجهادية تنتعش والتوترات مع روسيا تزداد ولا تزال الاتفاقية بين إيران ودول الاتحاد الأوروبي (الثلاث+ 3) (بريطانيا وفرنسا وألمانيا من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية) بعيدة المنال، حيث إن السياسات المحلية عند جميع شركاء التفاوض تضيف تعقيدات إضافية إلى عملية معقدة بالفعل، وعلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي تعرض لهزيمة قاسية خلال انتخابات التجديد النصفي، الآن التعامل مع كونغرس يسيطر عليه الجمهوريون، أما في منطقة اليورو فالنمو الاقتصادي لا يزال ضعيفاً مما يجعل القادة يركزون على الداخل.

بإمكان المرء أن يستخلص بسهولة أن العالم غارق في دوامة من انعدام الاستقرار، ولكن الشهر الماضي شهد بعض الأحداث التي تبعث على التفاؤل، بحيث أصبح من الضروري أن نتوقف لدراسة تلك الأحداث من أجل تجنب الاستسلام للتشاؤم.

إن التوصل إلى اتفاقية مع إيران في ما يتعلق ببرنامجها النووي لا يزال من الأعمال العالمية التي لم تنتهِ بعد، إذ فشلت المفاوضات في فيينا في التوصل إلى صفقة تعتبر حيوية للغاية بالنسبة إلى الاستقرار الإقليمي والعالمي، ولكن الأجواء كانت إيجابية، فإيران أوفت بالتزاماتها بموجب الاتفاقية المؤقتة، والدول الست أظهرت رغبة في إنهاء العقوبات، والآن تم تمديد الموعد النهائي لإنهاء المفاوضات إلى يونيو 2015.

أمام الغرب فرصة فريدة من نوعها، فتحقيق صفقة أمر ضروري من أجل تجنب صراع جديد وكارثي في الشرق الأوسط، إذ إن المفاوضات الدبلوماسية هما الطريقة الوحيدة لتسوية المسألة الإيرانية النووية على المدى الطويل، ومن أجل تطبيع الدور الحيوي لإيران في الأمن الإقليمي.

لقد كانت هناك عدة تطورات واعدة أخرى في نوفمبر، فالمفوضية الأوروبية الجديدة، التي تولت مهام منصبها في الأول من نوفمبر، استهلت تفويضها بخطة لتعزيز الاستثمارين العام والخاص بقيمة 315 مليار يورو (392 مليار دولار) خلال السنوات الثلاث القادمة، كما اعتمدت دول مجموعة العشرين في بريزبين حزمة من الإجراءات الاقتصادية لتعزيز النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 2.1 نقطة مئوية بحلول سنة 2018، فضلاً عن مصادقة القادة العشرين على مبادرة البنية التحتية العالمية التي ستخلق محطة بنية تحتية عالمية لتصبح منصة لتبادل المعلومات بالنسبة إلى الحكومات والقطاع الخاص وبنوك التنمية والمنظمات الدولية.

أما قمة التعاون الاقتصادي لآسيا- المحيط الهادئ في بيجين فقد توصلت إلى عدة اتفاقيات مهمة، فعلى رأس القائمة يأتي الإعلان عن صفقة مناخ ثنائية أميركية– صينية، والتي ستساعد في تمهيد الطريق لقمة الأمم المتحدة الحاسمة عن التغير المناخي في باريس في العام القادم، ولو تبنت الهند موقفاً مماثلاً فإن الأمل سيصبح أقوى.

وقد تم دعم صندوق المناخ الأخضر التابع للأمم المتحدة عبر تعهدات بتمويل إضافي، مما يعتبر خطوة مهمة للغاية في الطريق إلى باريس، كما أن الصندوق الممول من الدول المتقدمة مصمم لمساعدة الدول النامية على تحمل تكاليف التخفيف من آثار التغير المناخي والتأقلم معه، حيث تعهدت الولايات المتحدة بدفع 3 مليارات دولار كما وعدت اليابان بدفع 1.5 مليار، مما يعزز التعهدات السابقة لفرنسا وألمانيا، علما أن هذا التمويل ضروري من أجل التحقق من المشاركة الناجحة للدول النامية في قمة الأمم المتحدة عن التغير المناخي في باريس.

ويتطلع الاتحاد الأوروبي أيضاً قدماً إلى باريس، وذلك بعد موافقة المجلس الأوروبي على إطار 2030 المتعلق بالسياسات المناخية وسياسات الطاقة المقدم من المفوضية الأوروبية، إذ تم تحديد الاهداف من أجل تخفيض انبعاثات غاز الدفيئة وزيادة نسبة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة الأوروبي وتعزيز فعالية الطاقة والترويج للربط الكهربائي بين الدول الأعضاء. لقد توصلت الصين والولايات المتحدة الأميركية إلى صفقة ثنائية أخرى في قمة التعاون الاقتصادي لآسيا- المحيط الهادئ، والتي ستساعد في إزالة العوائق للتوصل إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية المتعلقة بتقنية المعلومات، مما يعني إزالة الرسوم الجمركية المتعلقة بتقنية المعلومات والاتصالات، وقد قدرت إدارة أوباما أنه عند تطبيق الاتفاقية- والتي تم تجميدها عاماً أثناء سعي الصين لحماية صناعتها المحلية – فإنها سوف تزيد الناتج المحلي الاجمالي العالمي بمقدار 190 مليار دولار.

وفي القمة نفسها أعلن الرئيس الصيني شي جينبينج خطوات تجاه التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة تشمل 17 دولة عضو في آسيا- المحيط الهادئ. ويعد مثل هذا التعاون التجاري بمنزلة هدية تحتاجها الدبلوماسية في المنطقة بشدة، والتي تعيش تحت ضغوط جيوسياسية دائمة وفي الوقت نفسه فإن الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تدعمها الولايات المتحدة قد أحرزت تقدماً في بيجين، وبالرغم من أنه ينظر إلى المشروعين على انهما خصمان بسبب غياب الصين عن الشراكة عبر المحيط الهادئ فإن المبادرتين يمكن أن يكمل بعضهما البعض، لو سادت الرؤية الاستراتيجية وتم إيجاد نقاط للتوافق والتلاقي، فإن ذلك سيعزز الاستقرار في آسيا بشكل معتبر.

الشرق الأوسط

والكلام نفسه ينطبق على الشرق الأوسط، حيث تمخض اجتماع لم يكن مقرراً لمجلس التعاون الخليجي في نوفمبر عن نتائج طيبة غير متوقعة فالسعودية والبحرين والإمارات التزمت بعودة سفرائها إلى قطر بعد غياب استمر ثمانية أشهر.

أما في تونس فإن حكومة التكنوقراط، والتي تولت مهام الحكم عدة اشهر قد تم استبدالها بشكل ديمقراطي، وفي الانتخابات البرلمانية التي عقدت في نهاية أكتوبر، أحرز الحزب العلماني نداء تونس نصراً على حزب النهضة الإسلامي وبعد ذلك بشهر توجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس لأول مره منذ الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي سنة 2011.

ما تزال تونس منارة للأمل في المنطقة، حيث إن بزوغ حكومة ائتلافية يظهر أن النموذج المدمر المتمثل في أن الرابح يأخذ كل شيء في السياسة الشرق أوسطية يمكن كسره وأن بالإمكان تقاسم السلطة. إذن يتوجب على العالم العربي أن يتعلم من هذه التجربة.

أما في القدس، فلقد سلطت التوترات المتصاعدة المتعلقة بالأماكن المقدسة الضوء على صعوبة تحريك مسيرة السلام الاسرائيلية – الفلسطينية إلى الأمام، ومع تصاعد الهجمات العنيفة في المدينة المقدسة عند الطرفين، فإن الصراع بدأ يأخذ منحى دينياً بشكل متزايد، وفي هذا السياق فإن الاقتراح التشريعي للحكومة الإسرائيلية بتعريف إسرائيل كدولة للشعب اليهودي – مما يعطي تفضيل للهوية اليهودية للدولة على هويتها الديمقراطية ومما يعرض حقوق الأقليات للخطر- هو اقتراح له أثر ضار على وجه الخصوص.

أعتقد اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أن بإمكان مسيرة السلام أن تأخذ منعطفا جديداً إذا اعترف الاتحاد الاوروبي بشكل رسمي بفلسطين والذي يستمر في دعم المؤسسات الانتقالية فيها، حيث إن فعالية مثل هذا الإجراء المشترك كانت ظاهرة بشكل مرحب به في نوفمبر، وينبغي علينا أن نسعى إلى المحافظة على ذلك الزخم.

* خافيير سولانا | Javier Solana ، شغل منصب الممثل الأعلى في الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن كما كان الأمين العام لحلف الناتو ووزير خارجية إسبانيا، وهو يعمل حالياً رئيس مركز إيساد للاقتصاد العالمي والشؤون الجيوسياسية وهو زميل مميز في معهد بروكنجز.

«بروجيكت سنديكت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top