مقابلة أوباما
كثر الحديث عن الاتفاق النووي بين إيران ودول (5+1) وأثره على العلاقات الأميركية-الإيرانية من جهة، والأميركية-العربية من جهة أخرى، مما استدعى الرئيس أوباما إلى الإعلان عن دعوة الزعماء الخليجيين إلى جلسة حوار في كامب ديفيد، وجاء هذا الإعلان في الخطاب نفسه الذي علق فيه الرئيس على الاتفاق النووي، لكن الرئيس فاجأ الكثيرين في مقابلته الأخيرة مع الصحافي المعروف توماس فريدمان بقوله إن الخطر الأكبر الذي يهدد الدول الصديقة لأميركا يأتي من الداخل بسبب الشعوب المهمشة وشباب يعاني البطالة وأيديولوجيات مدمرة.وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع كل ما قاله الرئيس أوباما في تلك المقابلة، فإنه كان محقا في هذه النقطة بالذات، فمشكلتنا في المنطقة العربية، والخليجية بالأخص، هو اعتقاد أنظمتها بأن الجمود سيد الموقف وأنه من الممكن أن تمضي السنوات والعقود ونظل نحن على هذا الجمود، في حين تتغير ملامح الحكم والحياة في بقية العالم، وأدت هذه النظرة إلى خلق أعداء وهميين واختلاق نزاعات طائفية وعرقية في المنطقة حتى تظل شعوبها في حالة الاستقطاب والتعصب لإلهائها عن التغيير للأفضل، وتأخير ذلك الاستحقاق إلى أطول وقت ممكن، غير منتبهين إلى أن محاولة إلهاء الناس بهذه الطريقة ما هي إلا لعب بالنار.
فحقن الشعوب بعقار التطرف سيصنع غولاً يرتد على صاحبه يوما مثل ما حصل في السابق، ويكفينا تبعات استعمال المتطرفين وتمويلهم بعد الاجتياح السوفياتي لأفغانستان حينما كان مستشار الأمن القومي الأميركي بريجنسكي يحث على الجهاد! مرورا بـ"القاعدة" ووصولا إلى "داعش" وأخواته. كل هذه المظاهر دليل على الآثار المدمرة لسياسة كسب الوقت وتخدير الناس بدلا من مواجهة تحديات العصر باتباع نموذج الحكم الرشيد والانفتاح والتغيير الجذري في طريقة التفكير ومعاملة الشعوب.وزاد الطين بلة اتباع سياسة الدولة الريعية التي حولت شعوب المنطقة إلى شعوب كسولة مستهلكة تستورد كل شيء تقريبا؛ مما قتل الإبداع في نفوس الشباب، وفوّت فرصا كثيرة لتنمية العقول، وخلق جيل منتج يصنع ثروته بنفسه فضاعت مليارات النفط هباءً منثورا. إن ثقافة الريع وتكديس المواطنين في وظائف حكومية بيروقراطية واستجلاب الوافدين ليسيطروا على قطاع الخدمات والإنتاج الحقيقي هي في حقيقتها سرطان يستشري في جسد الدولة مثله مثل التطرف، وسيؤدي يوما ما إلى كارثة خاصة مع تزايد أعداد مواطني المنطقة وتناقص مخزون النفط وعدم استقرار سعره، وهي التي ساهمت في تعميق الانقسامات بين فئات المجتمع بعدما صارت مؤسسات الدولة مسرحا للصراع لتقاسم النفوذ ونهب الثروة تحت شعار "من صادها عشا عياله"، بدلا من أن تنشغل تلك الفئات بوظائف حقيقية يتبادلون من خلالها السلع والخدمات؛ مما يؤدي إلى زيادة احتكاك تلك الفئات ببعضها، وبالتالي يزيد الترابط بينها تمهيدا لاتفاقها على نموذج جديد لإدارة الدولة، بدلا من الوضع الحالي الذي باتت فيه أي حركة تغييرية هي في الغالب دعوة تغيير للأسوأ بسبب فئويتها وطائفيتها وافتقادها لرؤية اصلاحية جامعة ومنفتحة على الجميع.إن سياسة التأجيل والتسويف على أمل أن نبقى على طمام المرحوم ستفقد صلاحيتها يوماً ما عاجلا أم آجلا، فبالنهاية لا يصح إلا الصحيح، ويجب علينا أخذ العبر من التاريخ الذي شهدنا فيه قبل وقت قصير انهيار دولة عظمى مثل الاتحاد السوفياتي ذات النموذج الشيوعي، والنموذج الرأسمالي بدوره لا يبدو أنه بحالة جيدة الآن بسبب اتساع الطبقية في المجتمعات وخصوصا في أميركا، حيث يمتلك أباطرة المال والجشع والطمع الذين يمثلون 1% فقط من الشعب أصولا تعادل ما يمتلكه بقية الـ99% من الأميركيين، بحيث بات هؤلاء هم المسيطرون الحقيقيون على مفاصل الدولة، فلا يستطيع أي سياسي أن ينجح في الانتخابات بدون الأموال التي يتبرع بها هؤلاء، فإن كانت هذه حال هذه الدول العظمى، فما حالنا نحن؟ فكل يوم يمضي دون تغيير جذري سيكون مكلفا في المستقبل، وما قول الرئيس أوباما إنه (يستطيع حماية دول المنطقة من الأخطار الخارجية لكنه لا يملك أي وسيلة لحمايتها من الأخطار الداخلية) إلا دليل على أن هناك استشعاراً أميركياً بقرب حدوث تغييرات كبيرة في المنطقة، فهل نحن مستعدون لذلك؟!