في مقال بحثي مهم، يلقى الباحثان روبن كريسول وبرنارد هيكل، الضوء على ظاهرة الشعر العربي وإعادة توظيفه كمؤثر حماسي يمتلك القدرة على إعادة تكوين الوعي وتأجيج المشاعر لدى مجاميع من الشباب الذين يفتقد أغلبهم الوعي الحقيقي. 

Ad

الباحثان من المهتمين بالدراسات الشرقية والعربية على وجه الخصوص، فالأول مترجم مهم للأدب العربي، والثاني أستاذ ولد في لبنان وعاش في الولايات المتحدة، صاحب اهتمام كبير بدراسات الشرق الأدنى، وصاحب نظرة مغايرة للحركات الإسلامية التي تتخذ العنف سبيلا في تحقيق برامجها.

ويستحق المقال الذي حمل عنوان "تريد فهم الجهاديين؟ اقرأ شعرهم"، الترجمة الكاملة لشرحه العلاقة بين الحركات الجهادية والثورية في الوطن العربي في السنوات الأخيرة والشعر العربي، بناء على المقولة "الشعر ديوان العرب"، والتي يتركها المقال كما هي ليترجمها لاحقا بـ"الشعر سجل العرب". 

ويشرح المقال الموجه للغرب بالتأكيد دور الشعر العربي قبل الرسالة القرآنية، ويلقي الضوء على دور الشاعر العربي في العصر الجاهلي كأهم صوت إعلامي يفاخر بقبيلته ويهاجم عدوه، يرثي قتلاه وعظماءه ويصف صحراءه وحبه المفقود أو الصعب.

حتى جاء النص القرآني الذي اتخذ موقفا من الشعراء، وهو موقف تم تعميمه على الشعراء جميعا تعميما خاطئا.

أما الهدف الأهم من هذا السرد التاريخي فهو علاقة الشعر العربي بما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية أو "داعش" ودور شاعرة مهمة اسمها أحلام النصر من سورية، يلقبها" داعش" بـ"شاعرة دولة الإسلام"، والتي تزوجت من أسامة الغريب، وهو شاب ولد في النمسا ومقرب جدا من القيادة، وكان إعلان زواجهما استثنائيا، لأن "داعش" عادة لا يعلن عن زيجات أعضائه.

ما تقدمه المقالة عن أحلام النصر معلومات قليلة، ولكنها تذكر أنها ابنة أستاذة في القانون من دمشق، تصفها أمها بأنها ولدت "وفي فمها قاموس لغة".

بدأت تكتب الشعر في صباها المبكر، وفي ربيع 2011 حين اندلعت الثورة السورية وقفت مع المتظاهرين لإسقاط نظام بشار الأسد، إلا أنها هاجرت الى دولة خليجية لتعود العام الماضي الى الرقة "عاصمة الخلافة"، كما تسميها. أصبحت زوجة أهم أعضائها وشاعرة "البلاط" فيها. وكانت أغلب قصائدها في مديح "خليفتها البغدادي" وجنتها الموعودة. "في الخلافة أرى النساء يرتدين العباءات ويعامل الناس بعضهم باحترام، والمحال تغلق وقت الصلاة" وفي شوارع الموصل تصف الأطفال وهم يتبارزون بالعصي وكأنها السيوف التى سيحاربون بها الكفار".

أصدرت أحلام النصر ديوانها "أوار الحق" على الإنترنت ووسائل الاتصال، ويقوم بعض أعضاء الجماعة بترديد أبياتها أناشيد مسجلة على اليوتيوب، ولكنها تسجيلات تظهر وتختفي بسرعة عجيبة. ويرى الباحثان هذا النشاط الثقافي والشعري خصوصا للجماعات المتطرفة ليس عملا ثانويا، وعلينا أن نفهم هذه الجماعات وطريقة تفكيرها من خلال دراسة وتحليل منتجها الثقافي.

المنتج الشعري الذي نشرته أحلام النصر في ديوانها المذكور هو شعر تقليدي دون المستوى، وربما ما ترجمه الباحثان منه جاء بشكل أجمل من النص الأصلي. وذلك يحدث عادة. أما ما تحاوله الدعاية الإعلامية للتنظيمات الجهادية فهو خلق مساحة ثقافية موازية للأعمال العسكرية عبر قصائد وتسجيلات تبدو حتى الآن ركيكة لغويا وأدبيا. وهو ما يشير الى عكس ما تريده الجماعة وتطمح اليه.