«إلا ليعبدون!»
![د. ساجد العبدلي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461946551445173900/1461946567000/1280x960.jpg)
وهنا لابد أن يثور سؤال: إن كانت الغاية القصوى من الخلق هي العبادة فلماذا نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الرهط عن الانصراف التام لهذه الغاية وزجرهم عن ذلك بقوله: فمن رغب عن سنتي فليس مني؟ أليس في هذا شيء من عدم التناسق؟! يأتي الجواب ناصعا في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وفي حديثه: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"، وفي حديثه: "أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق"، وفي حديثه: "إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً".ديننا ليس دين الرهبانية والانقطاع عن الدنيا كما تبين في موقف النبي عليه الصلاة والسلام من أولئك الرهط، لكنه في ذات الوقت هو الدين الذي جاء كتابه السماوي "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" ولا تعارض بين الأمرين، فالمقصود هو أن سائر حياة الإنسان، من شعائر دينية افترضت عليه ومن ممارسات حياتية عامة، يجب أن تكون واقعة في دائرة إدراكه الدائم بأنه في عبادة متصلة لله عبر التزامه المستمر بقاعدتي "تقوى الله" و"حسن الخلق" اللتين جاءتا في أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن هذا هو الجوهر الحقيقي لمفهوم العبادة. ولا يمكن منطقا أن نتصور وجود شخص خاشع في صلاته حق الخشوع، لكنه سيئ الأخلاق ولا يتقي الله خارجها؟ وكذلك قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- عن مسألة الصيام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه"، أي من لم يترك قول الكذب والعمل به فلا فائدة من صيامه.وهكذا، فعلى كل واحد منا في النتيجة أن يستعرض أنشطته اليومية جلها ودقها، وأن يعرضها جميعا على هذا المفهوم "العبادي" ليدرك بعد ذلك ودون مساعدة من أحد مدى قربه أو بعده عن الغاية من وجوده وخلقه.