أسس مدرسة الكتابة الساخرة في مصر والعالم العربي، وظل أكثر من نصف قرن يكتب مقالته القصيرة الساخرة «نص كلمة» في صحيفة «الأخبار»، لكن في المرات القليلة التي كتب فيها بشكل جاد كان ينعى نفسه، حدث هذا منذ حوالي شهرين حين كتب: «الآن يا مصر أموت مطمئناً عليك، وعلى أهلي المصريين، إني لا أوصي حاكماً صالحاً بأهلي، ولكن أوصيكم بحاكم ندر وجوده على الزمان».
أحمد رجب الذي رحل منذ أيام لينضم إلى صديق عمره رسام الكاريكاتور مصطفى حسين، ترك فراغاً كبيراً على الساحة الثقافية والإعلامية، يصعب ملئُه. وقد نعاه الكتاب والأدباء بكلمات تبيّن مدى أهميته وفرادته...يؤكد الكاتب يوسف القعيد أن أحمد رجب كان يضع البسمة ويبث البهجة في قلوب قرائه وعشاق كتاباته، «كان يهدي الفرحة يومياً من خلال كتاباته الساخرة التي أستمتعنا جميعاً بها، بداية من «نص كلمة» وحتى مشاركاته الفعالة في كاريكاتور الرسام الراحل وصديق عمره مصطفى حسين، الذي لم يستطع فراقه، فرحل عقب وفاته بحوالي عشرين يوماً».يضيف: «سننتظر سنوات ليعوضنا الله بكاتب في قامة الراحل الكبير، الذي كان معتزلاً للحياة ومقلاً في كلامه وظهوره الإعلامي، كان منقطعاً عن العالم حتى يكتب لنا كلمات قليلة يلخص فيها الوضع المصري والعربي، بخفة ظل شديدة وبعمق كبير، فمن يصدق أن عشر كلمات من الممكن أن تكون ناقدة ولاذعة ومؤثرة بهذا الشكل، رجب مدرسة متفردة لم ينجح فيها أحد سواه».محطة فارقةيعتبر الكاتب الساخر محمد عبدالرحمن أن «أحمد رجب محطة فارقة في تاريخ الكتابة الساخرة المصرية والعربية، فـ{نص كلمة» يؤرخ لما حدث في التاريخ المصري ولكل الأحداث التي جرت منذ بداية كتابته. تميز بأسلوب خاص وأقنع الجمهور بأن العبرة بالكيف وليس بالكم، وأن هذا العدد القليل جداً من الكلمات أهم من الكلام الكثير الذي لا طائل له».يضيف: إذا كانت القاعدة تقول إن الصورة بألف كلمة، فمقالة أحمد رجب الشهيرة «نص كلمة» تساوي ألف صورة، بالإضافة إلى أنه استفاد من ملازمته وصداقته للأستاذين الكبيرين علي أمين ومصطفى أمين، إذ أعطياه الفرصة والخبرة، فنافذته في هذه المؤسسة العريقة ساهمت في شهرته الواسعة التي حصل عليها.يتابع: {لا يمكن تصنيف أحمد رجب ككاتب معارض أو موالٍ، فهو الساخر الوحيد الذي كان ينتقد السلطة بشكل غير جارح، فيما الكاتب محمود السعدني، مثلا، نُفي خارج مصر أثناء حكم السادات لنقده اللاذع، بالإضافة إلى جلال عامر الذي لم يعرفه أحد إلا في السنوات العشر الأخيرة في حياته}، مؤكداً أن موهبة أحمد رجب الطاغية جعلت كتاباته تتحول إلى أعمال سينمائية ودرامية، وهو ما لم يحدث مع زملائه الساخرين.موهبة فذةرسام الكاريكاتور والفنان الساخر في مؤسسة «أخبار اليوم» هاني شمس ينعى الكاتب الكبير ويشعر بأنه ترك فراغاً، رغم وجود مواهب شابة من الممكن أن تصبح في يومٍ ما في مصاف الكتّاب الكبار، لكنها تحتاج فرصة، على غرار التي حصل عليها الكاتب الراحل العظيم، «فقد توسم الكاتبان علي ومصطفى أمين في موهبة رجب الساخرة، وعملا على تطوير موهبته والعناية به وتدريبه وتلقينه أسرار المهنة، ليدرك أن الأهم ليس عدد الكلمات، بل احترام عقل القارئ وكتابة أقل عدد من الكلمات. يضيف: «عندما خرج مصطفى أمين من السجن عام 1974 لم يجد كاريكاتوراً جيداً في الجريدة فاستعان بالرسام مصطفى حسين ليترجم أفكار أحمد رجب، واتفق معهما على أنه لن يقرأ أعمالهما إلا وهي مطبوعة، ولن يراقبها ولن يضع خطوطاً حمراء»، لافتاً إلى أن أحمد رجب، ظل، حتى وفاته، يكتب مقاله ولا يستشير فيه أحداً أو يقرأه لأي مخلوق قبل طباعته في الجريدة، وحده عم محمود، الساعي الخاص بمكتبه، يراه لأنه كان يوصل المقال إلى أقسام التجهيزات.يشير شمس إلى أن رجب كان من عشاق مؤسسة {أخبار اليوم} التي عمل فيها وحدها، وعندما عمل فترة قصيرة في صحيفة {المصري اليوم} لم يكن يكتب بالحماسة المطلوبة فتركها، وما يثبت عشقه لمؤسسته أنه أوصى قبل وفاته بأيام أن تخرج جنازته من هذه المؤسسة العريقة.مدرسة ومُعارضيؤكد الناقد الأدبي عمر شهريار أن مدرسة أحمد رجب الساخرة لن تتكرر، رغم وجود مواهب شابة كثيرة، {لكن من الصعب أن تتوافر ظروف وفرص أتيحت للراحل العظيم بهذه الكيفية، كانت لرجب مساحة ثابتة في صحيفة {الأخبار}، إحدى أعرق الصحف المصرية والعربية، بالإضافة إلى أنه بدأ هذه التجربة في وقت كان الوحيد على الساحة الصحافية الذي يكتب بهذه الطريقة}.يتابع: {كان رجب يتعامل مع السلطة بطريقته الخاصة التي ابتدعها، فلا يمكن أن تعتبره معارضاً شرساً، ولا يمكن أن تقول عنه إنه يقف في صف النظام، إذ كان يوجه نقده لرئيس الوزراء فحسب، ولا يأتي ناحية الرئيس، وهذا الأسلوب ابتدعه لوجوده في مؤسسة صحافية قومية تابعة للدولة}.
توابل - ثقافات
أحمد رجب... «نص كلمة» بألف صورة
17-09-2014