ما الذي تريده موسكو؟!
أنْ تبقى روسيا، من قبيل مناكفة الولايات المتحدة، تتلاعب بالأزمة السورية وللسنة الخامسة على التوالي، وحيث عطلت مجلس الأمن ومنعته من أن يأخذ قراراً لإنهاء هذه المأساة المدمرة فإن هذا ربما يكون مفهوماً من قبل بعض الناس وليس كل الناس، فـ"موسكو" رداً على ما يفعله الأميركيون في أوكرانيا، التي تعتبرها مجالاً حيوياً لها، وجدت في سورية ساحة لتسديد حساباتها مع أميركا التي أوصلت صواريخ حلف شمالي الأطلسي حتى إلى خاصرتها.أمَّا أن تواصل روسيا ركوب هذه الموجة وتنتقل من الساحة السورية إلى الساحة اليمنية فإن هذا في الحقيقة غير مفهوم، وهو لا يمكن فهمه بالنسبة للعرب الذين بادروا إلى "عاصفة الحزم" من قبيل الدفاع الإيجابي، بعدما ثبت أن إيران تسعى إلى "تطويق" الخليج العربي والجزيرة العربية من الجنوب، لتكتمل الحلقة التي تسعى إلى فرضها على المنطقة العربية.
وبصراحة فإنه غير مفهوم وأيضاً غير معقول أن تلجأ روسيا إلى "اختطاف" مجلس الأمن، وتسعى إلى منعه من اتخاذ القرار الضروري الذي من الممكن أن يفتح أبواب الحل السلمي للأزمة اليمنية، على غرار ما فعلته بالنسبة للأزمة السورية التي تجاوزت حدود الشرق الأوسط، وغدت، بسبب المواقف الروسية غير المبررة، والتدخل الإيراني السافر، وتردد الإدارة الأميركية وميوعة مواقفها، أزمة عالمية قد تستمر عشرات الأعوام. أمس الأول، وبينما تشهد هذه المنطقة توترات عسكرية وسياسية غير مسبوقة، فاجأ الرئيس فلاديمير بوتين العرب والعالم بإلغائه الحظر السابق، والسماح بحصول إيران على صواريخ "إس 300"، التي وبالتأكيد لا تريدها لاستهداف إسرائيل، وتلقين "العدو الصهيوني" درساً لن ينساه، وإنما للتعاطي مع ما يجري في اليمن، وما يجري في سورية، وهذا يؤكد أن طهران ماضية بشوط التدخل في الشؤون العربية الداخلية حتى النهاية.كلُّ العرب وليس بعضهم، وفي مقدمتهم عرب الخليج العربي، يريدونه علاقات مصالح مشتركة مع روسيا الاتحادية، فهم، ومعهم باقي العرب بالطبع، يريدون إسنادها لهم ولقضاياهم في المحافل الدولية، ويريدون منها الأسلحة التي لا يجدونها في الدول الأخرى، ثم وهي، أي روسيا، بحاجة إلى الأسواق العربية، الأسواق الخليجية تحديداً، ولذلك فإنه مستغرب بالفعل أن تقوم موسكو بكل هذا الذي تقوم به، وأن تلجأ إلى كل هذه "المشاغبات" غير المبررة.ما هي يا ترى المصالح التي تجدها روسيا في إيران ولا تجدها عند العرب...؟! إنه غير مطلوب أن تدير موسكو ظهرها لـ"طهران"، وأن تتبنى المواقف العربية على حساب مصالحها مع دولة كبيرة "متاخمة"، تحتل موقعاً "استراتيجياً"، ولديها إمكانات كبيرة... إن المطلوب هو أن يتَّبع الروس تجاه العرب والإيرانيين سياسة متوازنة ومنصفة، وألا يلجأوا إلى كل هذه الاستفزازات التي لجأوا ويلجأون إليها في مجلس الأمن الدولي، وبخاصة بالنسبة للأزمة اليمنية.