صبراً أيها ....!
أقصدكم أنتم يا من لم تتلوث قلوبكم بهذه الكراهية الطائفية، ولم تتدنس عقولكم بالفكر الإقصائي المذهبي، لكم الله! أنتم الذين لا تجدون من يبكيكم، أو يواسيكم، أو يضمّد جراح قلوبكم بكلمة، أو يمنح أصواتكم مسمعاً.
أنتم المنبوذون من كلتا الطائفتين، والمحروقون بكرة اللهب المتقاذفة بينهما، تكتوي أجسادكم في كل مرة خلال مرورها من طائفة لأخرى، وأنتم الملعونون أيضاً على لسانيهما معاً، كل منهما يتعرض للهجوم من جبهة واحدة، بينما تتعرضون أنتم للهجوم من جبهتين! المُحرِّضون من طائفتكم ضد الطائفة الأخرى لا يستثنونكم من التحريض، بل ربما كان تحريضهم ضدكم أشدّ قسوة وشراسة لأنهم يرون في مواقفكم مروقاً على خطابهم الاستعدائي ضد تلك الطائفة، وإفلاتاً من قبضته، وخيانة منكم عظمى لأبناء مذهبكم، إنهم يرون فيكم حصان طروادة الذي يحمل في جوفه خراب عروشهم، ويصنفونكم ثمرة فاسدة يجب التخلص منها سريعاً حتى لا تنتقل عدواها إلى بقيّة الثمر، فهم لم يدّخروا وسيلة إلا واتّبعوها لعزلكم عن القطيع، يتهمونكم تارة بالجهل في دينكم وضحالة معرفتكم، ويستشهدون بالآيات والأحاديث التي يمكن تفسيرها لخدمة ضغائنهم، وتارةً يشكّكون بأن لكم فكراً منحرفاً، ويحرّضون أتباعهم المُغرّر بهم بالهجوم عليكم، والسخرية منكم ومن أفكاركم، ومن كل من يتضح أنه مستمع أمين لصوتكم المجاهد ضد الحقد والكراهية، ويقذفونكم بأبشع الشتائم والصفات، ويمارسون كل أنواع الإرهاب الفكري ضدكم، إلى أن تصبحوا معزولين في محيطكم، ومنبوذين، ولكنكم لستم نادمين! أما الطائفة الشيعية فلكم معهم حكاية أخرى لا تقل ألماً. إنهم بعد كل اعتداء يمارس ضدهم وكل جريمة بشعة يضعون أبناء طائفتكم جميعاً في سلّة واحدة، ما بين محرّض ومنفّذ وراضٍ، حتى هؤلاء الذين قضوا نحبهم في محاولات لمنع أصحاب الفكر المنحرف من ارتكاب جرائمهم، أو القبض عليهم بعد ارتكابها هم أيضاً ضمن تلك السلّة، وحتماً أنتم لستم استثناء منها ولا تخرجون من إطارها، وأنتم لستم سوى رماد يذرّ في العيون لإخفاء المشاعر المذهبية السيئة الكامنة في نفوسكم والتي رضعتموها من صدور أمهاتكم، وأن أصواتكم التي تقاتل ضد الأصوات المفخخة بالشوك والرصاص ضدّهم ليست سوى إكسسوار زائف وبريق مقصود لخداع البصر! ودمكم النازف مع كل جرح بهم... ليس سوى كذبة سوداء، ودموعكم المذروفة حرقة من صدوركم... بعض رياء، وفي أفضل الأحوال أنتم أصدقاء مع وقف التنفيذ! تخذلكم أصوات العقلاء منهم أحياناً، بعد كل حدث مهول ومصاب جلل، إذ لا تكاد تنطق، وإذا نطقت... نطقت تمتة، تلك الأصوات التي لطالما حسبتم أنكم وإيّاها تقفون في ذات الخندق يداً بيد ضد طوفان الكراهية، لا تدعوا ذلك الخذلان ينال من عزيمتكم، ولا تحزنكم وحدتكم، واعلموا أن ما تفعلونه ليس إرضاءً لأيّ من الطائفتين ولا مداهنة لها، فإنما أنتم قد نذرتم أنفسكم ضماد كل جرحٍ نازف في قلب هذا الوطن من كلا الفريقين، فلا يهن صوتكم عندما تحاصره الأصوات المعادية له من الجانبين، فصوتكم هو صوت هذه الأرض التي حضنت المختلفين، فإن كان ذنبكم أنكم آمنتم بأنكم أمة وسط، فلا تستغفروا! واصبروا وصابروا، وتمسّكوا حتى آخر نبض فيكم بنقاء ضمائركم الإنسانية وحبل الوطن، فإنما أنتم للوطن، والوطن لله، والله للجميع، وليس لطائفة دون أخرى.