استوقفني في إعلان مشروع الخطة الإنمائية الخمسية للسنوات 2016/2015 – 2020/2019 في دولة الكويت، أن وقت الفراغ للشباب الكويتي يصل إلى 6 ساعات يومياً، وبحسبة بسيطة، بطرح معدل ساعات النوم الاعتيادية وساعات الدراسة أو العمل للشباب، سنرى أن الوقت المتبقي بإجماله يكاد يكون وقتاً للفراغ.

Ad

ومؤكد أن هذا مؤشر خطير يشير إلى ضرورة تكاتف جهود جميع الأطراف المعنية، بدءاً بالأسرة، مروراً بالمدرسة والجامعة، وأماكن العمل، وعبوراً أساسياً، على وزارة الإعلام ووزارة الدولة لشؤون الشباب ووزارة التربية، وباقي وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية والأهلية المعنية، للوقوف أمام الموضوع، والإسراع في وضع الدراسات العلمية والعملية الكفيلة بملء وقت الفراغ.

إن عصر القرية الكونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومحطات التلفزيون الخاصة يكاد يلتهم معظم وقت فراغ أبنائنا، وتحديداً فئة الشباب، وهو في جله يذهب هدراً في ما لا طائل من ورائه، إن لم نكن متشائمين ونقول: يذهب إلى الخراب! نعم، وحده الخراب يطلّ عبر مواقع الإنترنت للتعارف البذيء، ومواقع تعليم وتصدير الأعمال الإرهابية، وأفلام اليوتيوب، والرياضة العنيفة، وأفلام الرعب، ومواقع غرف الجنس البائسة، إضافة إلى أوقات ثمينة تتبخر كالدخان في التنقل بين مواقع الانستغرام والتويتر وغيرها. وفي أحسن الأحوال، ينصرف بعض أبنائنا إلى فتح محال صغيرة لأكلات بسيطة أو صناعات خفيفة، ويعلنون عنها في وسائل التواصل الاجتماعي.

البشرية اليوم تعيش عصر الصورة بامتياز، صورة الإعلان، وتبدو سمة مميزة للحظة الزمنية العابرة، كون عصر الصراعات الفكرية الكبيرة والنظريات المتقابلة قد ولّى، وأن مفكّري ومنظري العالم، يغزون البشرية بآرائهم عبر كتبهم وعبر مواقعهم على الشبكة العنكبوتية. لكن الأهم، هو وجود شخصيات اجتماعية وفنية لها متابعين بالملايين وهي تسرّب قناعاتها وشيئا من سلوكها، صحيح كان أو مشين لفئات كثيرة، ويكاد الشباب يكونون هم أكثر الفئات قصدية بهذه المواقع. ومن هنا تنشأ الحاجة للوقوف على كيفية ملء فراغ شباب الكويت بأفكار ومشاريع عصرية، وبما يعود عليهم بالنفع والفائدة.

إن النشاطات الفكرية والثقافية والفنية والرياضية والاقتصادية، التي تتخذ من الشباب ركيزة لأهدافها، وتعمل على التعرف على حاجاتهم، ومحاولة تلبيتها بطرق عصرية، بعيدة عن الروتينية والملل، باتت أمر ملح، وصار من نافل القول الإشارة إلى ضرورة إنشاء وحدات متخصصة للمشاريع الإبداعية الشبابية، بحيث تتخذ من جذب اهتمام الشباب هدفاً لها، وترسم خططاً قابلة للتطبيق للتواصل معهم، واستخراج أفضل ما لديهم من طاقات شبابية، وضمن رؤى إنسانية الصبغة وعصرية الروح.

إن التركيز على الإعلام والثقافة والفنون ربما يبدو أكثر إلحاحاً بالنظر إلى سيطرة وسائل الإعلام على حياتنا، وتوفرها بأيادي النشء والشباب. وهذا يستوجب، فتح العشرات من المواقع الشبابية الثقافية والفنية، وضخ مواد عصرية مغرية ومتفاعلة مع اهتمامات الشباب من خلالها، لجذب اهتمامهم عبر مناداتهم بأن يكونوا خلف هذه المواقع، وأن تكون أفكارهم الخاصة وقوداً لهذه المواقع، وأن تكون تلك المواقع بإشراف علمي مدروس، ومن قبل مجموعات متخصصة من الطاقات الفكرية والثقافية والإعلامية، وألا يكون هذا بعيداً عن الأسرة، فهي الحضن الأهم للنشء والشباب، وهي المنطلق والمأوى.

إن غربة أبنائنا تولد في حض أسرهم، فمنتجات التقنيات العلمية، وعلى الأخص الهواتف الذكية والـ"آيباد" والكمبيوتر، استطاعت بشكل كبير سرقة أبنائنا منا، وما يؤلم هو اكتفاء شريحة كبيرة من الأهالي بتوجيه اللوم والتوبيخ إلى الأبناء بسبب انشغالهم بتلك الوسائل، دون البحث عن السبب الحقيقي وراء هروب الأبناء من واقعهم المعيشي وعيشهم في واقع افتراضي. الفراغ مرض يجب النظر إلى مسبباته للوصول إلى وصفات ناجعة لعلاجه.