حصاد موسم الفطر
عندما أطلقنا كلمة «مُوسِّم» على الأيام التي تشهد ظهور باقة جديدة من الأفلام، أَو اجتماعُ الناس لمشاهدتها، حتى أصبحنا أمام مُواسِّم: «عيد الفطر المبارك»، «عيد الأضحى المبارك»، «إجازة نصف العام الدراسي» و{الصيف»، كنا نُدرك، على وجه اليقين، أن «المُوسِّم» يعقبه «الحصاد»؛ أي جني المحصول، وتسجيل حسابات المكسب والخسارة!بناء على هذا، ومع قرب وصول «موسم عيد الفطر المبارك» إلى المحطة الأخيرة، واكتمال ملامح الصورة النهائية، يُمكن القول إن حصاد هذا «الموسم» كان غنياً ووفيراً على أكثر من صعيد، وأن النتائج جاءت إيجابية بشكل غير متوقع؛ ففي الوقت الذي راهن فيه كثيرون، قبل بداية الموسم، على أن فيلم {عنتر وبيسة} من بطولة محمد لطفي والمغنية الشعبية أمينة والراقصة صافيناز، سيكون فرس الرهان السينمائي، وأنه سيحقق أكبر الإيرادات، أسوة بما فعله {شارع الهرم} من بطولة سعد الصغير ودينا، الذي حقق أعلى إيراد يومي في تاريخ السينما المصرية؛ عندما حقق في اليوم الأول لعرضه مليونا و700 ألف جنيه، بينما حقق في اليوم الثاني 2 مليون و100 ألف جنيه، وجاء منتج {عنتر وبيسة} ليكرس التكهنات التي توحي بأن فيلمه سيكون {الحصان الأسود} في السباق عندما وقع عقداً مع موزع الفيلم على استمرار عرضه لمدة ثمانية أسابيع، قبل أن يفاجأ بقرار سحبه في أسبوعه الثالث!
ثاني النتائج المهمة في حصاد {موسم الفطر} أن الجمهور انصرف، على عكس التوقعات، عن أفلام النجوم التي تحظى باهتمام كبير في مواسم الأعياد، واختار الانحياز إلى فيلم {الحرب العالمية الثالثة}، الذي اعتمد على تركيبة تمثيلية غير تقليدية، وانطلق من معادلة فنية متمردة، وبناء على إرادة الجمهور احتل المركز الأول في شباك الإيرادات بينما جاء فيلم {الفيل الأزرق} في المركز الثاني، وهو المؤشر الإيجابي الثالث كون الفيلم الذي أخرجه مروان حامد واعتمد على رواية للكاتب أحمد مراد تصدرت أعلى الإيرادات وقت صدورها، شهد تجاوباً غير مسبوق من الجمهور. كذلك لاقى تقديراً كبيراً من ناحية النقاد، بالنظر إلى كونه يمثل تجربة جديدة على السينما المصرية، على صعيدي النص السينمائي والتقنية الفنية، في دلالة جديدة على تغير الحالة المزاجية العامة! في سياق ليس بعيداً، وفي تأكيد جديد على أن ثمة تغيراً جديداً أصاب ذوق الجمهور، تراجع فيلم {صُنع في مصر} إلى المركز الثالث، في مفاجأة غير متوقعة، بالنظر إلى أن البطولة لأحمد حلمي، الذي تحقق أفلامه أعلى الإيرادات، فضلاً عن القدرة المعروفة للممثل الشاب على اختيار أفكار أفلامه وموضوعاتها، وهي الملكة التي برهنت إيرادات فيلمه الأخير أن خللاً اعتراها. وهو الرأي الذي انطبق، بصورة أخرى، على ياسمين عبد العزيز، التي لم تقف مأساتها عند حد تراجع فيلمها {جوازة ميري} إلى المركز الرابع، وإنما تجلت في نضوب معينها بشكل يعكس محدودية إمكاناتها، وتواضع موهبتها، واعتمادها على المبالغة الحركية واللفظية في محاولة يائسة من جانبها لسد العجز الواضح في قدراتها الأمر الذي تجلى بشكل كبير في تجربتها الأخيرة، التي عانت من مشاكل في الكتابة والإخراج أيضاً!النظرة العقلانية إلى نتائج الحصاد السينمائي تُشير إلى أن المحصلة النهائية، من حيث حصول الأفلام على الإيرادات، وترتيب مراكزها في شباك التذاكر، جاءت نتاج نظرة موضوعية اتسمت بقدر كبير من الحيادية والشفافية، بالإضافة إلى توافر المعايير الفنية والعاطفية. وإلى حين التثبت من النتائج التي أسفر عنها {موسم الفطر}، وعلى رأسها قياس حجم التغيير الذي أصاب الحالة المزاجية للجمهور، والاختلاف الذي اعترى ذوقه، وانعكاس هذا على طرق تلقيه للعمل الفني، وقدرته على الانصراف عن أفلام {الخلطة السبكية} التي يمثلها {عنتر وبيسة}، وترحيبه بالتركيبة الجديدة لنجوم الشاشة الكبيرة، سيصبح من الصعب، بل من المبكر، القول إن الأفلام الخمسة التي عُرضت في موسم عيد الفطر، قلبت الموازين السينمائية رأساً على عقب، وقادتنا إلى خارطة مستقبلية مختلفة؛ فما زالت العملة الرديئة تطارد الجيدة، وما زال محمد لطفي يتصور أن {عنتر وبيسة} حقق أعلى الإيرادات، وأن الجمهور قابله بترحاب كبير ما سيشجعه على تكرار تجربة البطولة المطلقة، وما زالت الجعبة مليئة بأفلام على شاكلة: {حارة مزنوقة}، {روميو السيدة}، {واحد بيسوق واتنين في الصندوق} و}المواطن برص} تنتظر العرض في موسم {عيد الأضحى المبارك}، وتنتظر رأي الجمهور، ووقتها نستطيع أن نُصدر حكمنا النهائي حيال ما يجري على الساحة، وكشف عنه الموسم الأخير.لا ينبغي أن يُفهم من حديثنا هذا أننا لا ننظر بعين الاعتبار إلى اختلاف الأمزجة والطبائع، وضرورة وجود أفلام ذات أفكار وموضوعات مختلفة تخاطب شرائح المجتمع والأذواق كافة، وأخرى قليلة الموازنة، لكن كل ما ندعو إليه، ونطالب بمراعاته، أن ننتج أفلاماً لها علاقة بصناعة السينما!